بل وإرسال الرسل ، وغير ذلك مما لا يخفى ، فتأمل . ثم اعلم : أن المعتزلة : منهم من قال : بأن الحسن والقبح مقتضى ذات الفعل من حيث هي هي ومنهم من قال : بأنهما من مقتضى وصفه اللازم . ومنهم من قال : بالوجوه والاعتبارات . وأما غير المعتزلة فلعلهم لا يعينون ذلك ، ويقولون : بالأعم والقدر المشترك . وهو الصواب . وقال بعض المتأخرين منا : إن الصواب هو الأخير ، أي بالوجوه والاعتبارات . وليس هو كذلك ، إذ في بعض المقامات يظهر أن منافرة العقل من ذات الفعل ، حتى أنه في مقام إيجابه له يكون المنافرة باقية مثل : قتل النساء والأطفال والرجال ، سيما المقدسين إذا تترس بهم الكفار والمفسدون ، وأكل الوالدين لحم ولدهما الميت اضطرارا ، ونظر الأجنبي إلى فرج امرأة لا زوج لها وباطن فرجها للمعالجة ، إلى غير ذلك ، بل في مقام الكذب الضروري يشق على الحكيم ، ويصعب غاية الصعوبة أن يكذب ، وكذا مثله من القبائح ، سيما ما هو أشد قبحا ، ولذا يعتذرون عن الفعل القبيح ، ولا يعتذر عن الصدق ، لا الضروري وغيره ، ولا يشق عليه . ثم اعلم أنهم استدلوا على بطلان القولين [1] الأولين : بأنهما يستلزمان امتناع النسخ عن الحكيم . وأيضا القطع حاصل بأن الفعل الواحد يصير تارة حسنا ، وتارة قبيحا مثل : الكذب قد يحسن إذا كان فيه عصمة نبي عن ظالم ، وكذلك القتل والضرب . والجواب عن مثل الكذب والقتل والضرب : بأن ذوات هذه الأفعال
[1] وهما القول بكون الحسن والقبح من مقتضى ذات الفعل أو مقتضى وصفه اللازم .