المخالفة في موضع ، وعدمه في موضع ، أو قبح عدم المخالفة في موضع ، مع أن الكل مشترك في ذلك من دون تفاوت . وأيضا لو اطلع على المحاسن التي أشرنا إليها من حيث هي هي ، مع قطع النظر عن الأمور الخارجية ، و القبائح التي ذكرت في الجملة من حيث هي هي ، مع قطع النظر عنها ، ودار أمره بين أن يختار الأولى أو الثانية يختار الأولى البتة . وأجابوا بأن لكل منهما لوازم في نفس الامر ، بها يختار ، وإن انقطع نظره عنها . وفرض التساوي فيها ولا يلزم من فرض تساويه وقوع التساوي وإنما يتبادر الذهن إلى الجزم باختيار الأولى مع الفرض فيغلط . وهذا الجواب أيضا فساده واضح ، إذ يلزم من عدم الاعتماد على الجزم ، وعدم حصول العلم . وهذا بعينه كلام السوفسطائية الذين يمنعون حصول العلم ، إذ في كل مقام يجزم الذهن يجوز أن يكون غلطا ووهما . فإن قلت : لعله في بعض المقامات يجزم بأنه ليس بتوهم وغلط قلت : لعله في هذا أيضا غالط ومتوهم . وأيضا لو لم يكن العقل حكم بها لزم إفحام الرسل ، وانتفاء فائدة البعثة والأحكام الشرعية ، إذ الظاهر أنه : ( ما لم يكن مطبوع لا ينفع مسموع ) [1] كما قال أمير المؤمنين عليه السلام ولذا لا يتكلم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع المجانين والأطفال الذين يسمعون كلامه ، ويفهمون مرامه ولا يدرون أنه يجب مراعاة كلامه ، وامتثال أمره ، ومثل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينئذ
[1] نهج البلاغة صبحي الصالح باب المختار من الحكم ص 534 رقم : 338 وتمام كلامه عليه السلام : ( العلم علمان مطبوع ومسموع ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع ) .