والحاصل : أن المجيب إن سلم أن للعقل ملائمة بواسطة الإطاعة و الموافقة ، ومنافرة بواسطة العصيان والمخالفة فهو عين المطلوب ، إذ المطلوب أنه يلائم الافعال ، وينافرها ، ويحكم بالحسن والقبح ، وإن كان حكمه بهما يتوقف على وجود علة لتحسينه وتقبيحه . وإن لم يسلم بل يقول : ليس للعقل إلا أن يدرك أن الفعل حسن وقبيح شرعا أو عرفا أو غيرهما ، يعني المعنى الذي لا نزاع فيه . ففيه : أنه مكابرة محضة ، إذ لا شبهة في أنه ينافر عن القبائح التي أشرنا إليها وما هو أشد منها قبحا ، وأن هذه القبائح ليست عند العاقلة مساوية للحسنات ، سيما ما هو في أعلى درجة الحسن . مع أنه لو كان حكمه بالحسن والقبح بالمعنى الذي لا نزاع فيه لكان حين حكمه بالحسن أو القبح مدركا للشرع أو العرف أو غيرهما ، لان المعنى الذي لا نزاع فيه معان إضافية [1] لا يمكن إدراكها بدون إدراك ما أضيف إليها ، مع أنه حين منافرته أو ملائمته لا يدرك شرعا ولا عرفا ولا غيرهما ، فضلا عن أن يدرك مخالفته لها ، وسيما أن يدرك أن حكمه لأجل المخالفة لها ، بل حين المنافرة مثلا لا يدرك إلا نفس الفعل وينافره ، ولا يزيد عليها أمرا آخر . مع أن حكمه بقبح ترك الحج وأمثاله من التعبديات إنما هو بعد العلم بأن الشارع أمر بها ، وملاحظته له ، وأنه لولا ذلك لم يكن عند العقل فرق بينها وبين غيرها من الافعال المباحة أو المحرمة ، مثل العبادات المخترعة المبتدعة ، وما هو لعب ولهو . وأيضا لو كان الذي يدركه هو الذي لا نزاع فيه ، فلا وجه لحكمه بقبح
[1] كذا في الأصل ، ولعل الصحيح : المعنى الذي لا نزاع فيه من المعاني الإضافية . . .