فالعدالة لابدّ أن تكون من الملكة ؛ لأنّ اعتبار الأعدليّة يكشف عن قبول العدالة للمرتبة ، فلابدّ أن تكون من الأُمور الوجوديّة ؛ لأنّ الأعدام لا تمايز فيها ولا تقبل التفاضل ، فبطل كونها نفس الاجتناب ، ولابدّ من كونها هي الملكة ؛ فالمقصود بالثقة في " ليس بذاك الثقة " هو المعنى اللغوي أعني الاعتماد ، وهو من الأُمور القلبيّة والموجودات النفسانيّة . لكن يشكل الاستدلال المذكور بعد النقض بالأورع في بعض موارد ذكر الأعْدل ؛ حيث إنّ الوَرَع ليس من باب الملكة ، بل بمعنى ترك المحارم ، بل بالأترك في بعض أخبار التثليث من قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في مرسلة الصدوق : " فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك " ( 1 ) وإن كان الظاهر أنّ المقصود أنّ مَنْ تباعد عن فعل المشتبهات فهو عن فعل الحرام البيّن أبعد بأنّ الترك وإن لا يقبل التفاضل كيفاً باعتبار المتعلّق - وبعبارة أُخرى لا يقبل الشدّة والضعف - إلاّ أنّه يقبل التفاضل كمّاً باعتبار المتعلّق ؛ حيث إنّه ربّما يترك شخص معصيةً ، وآخر معصيتين ، وثالث ثلاثةً ، أو يترك شخص معصيةً في زمان ، ويترك أُخرى في زمان زائداً على ذلك الزمان ، وهكذا . والتفاضل في اسم التفضيل لا يلزم أن يكون من جهة الكيف . فإن قلت : إنّ المفروض في العادل كونه مجتنباً عن الكبائر والإصرار على الصغائر ، فكيف يكون أحد العادلين أزيد تجنّباً عن الآخر ؟ قلت : في المقام عرْض عريض ؛ حيث إنّ أحدهما ربّما يتكرّر منه ارتكاب كبيرة ويتوب كلّ مرّة ، والآخر لا يرتكب الكبيرةَ رأساً ، أو يتكرّر منه ارتكابُ كبيرة واحدة مع التوبة كلّ مرّة ، وهو أزيدُ تجنّباً من الأوّل ، وهكذا . بل ربّما يتجنّب أحدُهما عن الشبهات تجنّباً عن المحرّمات الواقعيّة ، والآخر يقتصر على
1 . الفقيه 4 : 53 ، ح 193 ، باب نوادر الحدود ؛ وسائل الشيعة 18 : 118 ، أبواب صفات القاضي ، ب 12 ، ح 22 .