في يد هذا الرجل في بليةِ من استيلائه علينا بالعامة ، وأردنا أن نقطع شرَّه عنا . فأمر بهم ، ووكل بكل واحدٍ منهم ، ولم يرجع إلى منزله حتى كتب خطه بمبلغ عظيم من المال يؤديه إلى خزانة السلطان جنَايَة ، وسلموا بأرواحهم بعد الهوان العظيم . وقد جرى لشيخ الإسلام محن في عمره ، وشرد عن وطنه مدّة . فمن ذلك : أن قومًا من المتصوفة بهراة عَاثوا وأفسدوا بأيديهم على وجه الإنكار ، فنسب ذلك إلى الشيخ ، لم يكن بأمره ولا رضاه . فاتفق أكابر أهل البلد على إخراج الشيخ وأولاده وخدمه ، فأخرجوه يوم الجمعة عشرين رمضان سنة ثمان وسبعين وأربعمائة قبل الصلاة ، لم يمهل للصلاة . فأقام بقرب البلد ، فلم يرضوا منه بذلك فخرج إلى بوشنج ، وكتب أهلُ هراة محضراً بما جرى وأرسلوه إلى السلطان ، فجاء جَواب السلطان ووزيره " نظام الملك " بإبعاد الشيخ وأهله وخدمه إلى ما وراء النهر . وقرئ الكتاب الوارد بذلك في الجامع على منبر يحيى بن عمار ، وفيه حَطٌ على الشيخ ، فأُخرج الشيخ ومن كان يعقد المجلس من أقاربه خَاصَّة إلى مَرْوَ ، ثم ورد الأمرُ بردِّه إلى بلخ ، ثم إلى مرو الرُّوذ . ثم أذن له في الرجوع إلى هراة ، فَدَخَلها يوم الأربعاء رابع عشر المحرم سنة ثمانين وأربعمائة . وكان يومًا مشهودًا . قال الرهاوي : سمعت شيخنا أبا طاهر السلفي بالإسكندرية يقول : لما خر شيخ الإسلام قال أصحابه وأهل البلد : لا يحمل على الدواب إلا على رقاب الناس . فجعل في محفة . وكان يتناوب حملها أربعة رجال ، حتى وصل بلخ . فخرج أهلها وهمُّوا برجمه . فردَّهم ابن نظام الملك ، وقال : تريدون أن تكونوا مسبة الدهر ترجمون رجلاَ من أهل العلم . ثم سألوه أن يَعِظ ، فقرأ : " اللّهُ نزَلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كتابًا مُتَشابِهًا " الزمر : 23 ، ثم قال : كلّ المسلمين يقولون هذا ، إلاَّ أهل غُورجَه وغرجِسْتان وفلانة وطالقان . لعنهم الله لعنةَ عاد وثمود ، والنصارى واليهود . قُولوا : آمين ، فقالوا : آمين .