قال الرهاوي : وإنما همَّ أهل بلخ بما همُّوا به لأنهم معتزلة شديدة الاعتزال . وكان شيخ الإسلام مشهوراً في الآفاق بالحنبلة والشدة في السنَّة . قال : وسمعتُ السلفي يقول : لما أمر نظام الملك بإخراج الشيخ من هراة سمع بذلك الشيخ مَعْمَر اللُّنباني ، فمضى إلى نظام الملك في أمره ، فقال له نظام الملك : قد صار لذلك الشيخ عليَّ منة عظيمة حيث بِسَبَبِهِ دخلتَ عليَّ . ثم كتب في الحال بردّه إلى بلده . وذكر الرّهاويّ : أن الحسين بن محمد الكتبي ذكر في تاريخه : أن مسعود بن محمود بن سبكتكين قدم هراة سنة ثلاثين وأربعمائة ، فاستحضر شيخ الإسلام ، وقال له : أتقول : إن الله عزَّ وجل يضع قَدَمَه في النار ؟ فقال - أطال اللهُ بقاء السلطان المعظم - إن الله عز جل لا يتضرر بالنار والنار لا تضره والرسول لا يكذب عليه وعلماء هذه الأمة لا يتزيدون فيما يَرْوُون عنه ويسندون إليه . فاستحسن جوابه ، وردَّه مُكرَّماً . قال : وعقد أهل هراة للشيخ مجلسًا آخر ، سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة ، وعملوا فيه محضراً ، وأخرجوه من البلد إلى بعض نواحي بوشنج ، فحبس بها وقيَّد ثم أعيد إلى هراة سنة تسع وثلاثين ، وجلس في مجلسه للتذكير . ثم سعوا في منعه من مجلس التذكير عند السلطان " ألب أرسلان " سنة خمسين . قال . وفي شهور سنة اثنتين وستين ، خلع على الشيخ من جهة الإمام القائم بأمر الله خلعة شريفة ، وفي شهور سنة أربع وسبعين خلعة أخرى فاخرة من جهة الإمام المقتدي مع الخطاب واللقّب بشيخ الإسلام ، شيخ الشيوخ زين العلماء أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري ، وخلعة أخرى لابنه عبد الهادي . قال . وكان السبب في هذه الخلع الوزير " نظام الملك " شفقةَ منه على أصحاب الحديث ، وصِيَانةً عن لحوق شين بهم .