وذكر : أنه سرد الصوم مدة ، واتبع الزهاد ، ثم رأى أن العلم أفضل من كل نافلة فانجمع عليه ، ونظر في جميع الفنون ، وألف فيها . وكانت أكثر علومه يستفيدها من الكتب ، ولم يحكم ممارسة أهلها فيها ، وعظم شأن الشيخ في ولاية الوزير ابن هبيرة . وكان يتكلم عنده في داره كل جمعة . ولما ولي المستنجد الخلافة خلع عليه خلعة مع الشيخ عبد القادر ، وغيره من الأكابر ، وأذن له في الجلوس بجامع القصر . قال : فتكلمت . وكان يحزر جمع مجلسي على الدوام بعشرة آلاف ، وخمسة عشر ألفاً . قال : وظهر أقوام يتكلمون بالبدع ويتعصبون في المذاهب ، فأعانني الله سبحانه وتعالى عليهم . وكانت كلمتنا هي العليا . وكان الشيخ رحمه الله يظهر في مجالسه مدح السنة ، والإمام أحمد وأصحابه ، ويذم من يخالفهم ، يصرح بمذاهبهم في مسائل الأصل ، لا سيما في مسألة القرآن . وكلامه في كتبه الوعظية في ذلك كثير جداً . وقال يومًا على المنبر : أهل البدع يقولون : ما في السماء أحد ، ولا في المصحف قرآن ، ولا في القبر نبيّ ، ثلاث عورات لكم . وقدم مرة إلى بغداد واعظ يقال له : البروي ، فتعصب في كلامه على الحنابلة كثيراً ، فلم تطل مدته حتى هلك . وكان في تلك الأيام قد غدا ساع أسود للشيعة ، - خرجوا للقائه ، فانبط ووقع ميتًا ، فضاقت صدورهم لذلك ، فجلس الشيخ عقيب ذلك ، وقال في أثناء كلامه : كم أبرق مبتدع بأصحاب أحمد وأرعد فحظي يومًا له وهو بالعيش الأرغد ، وأما أنت يا أبعد ، فإن أردت أن تموت ، وإن أردت أن تحرد . مات البروي وانبط الأسود . ومن كلامه في بعض المجالس : من مبلغ أحمد بن حنبل ، إن زرع كيف أقول ما لم يقل سنبل ؟ . وقيل له مرة : قلّل من ذكر أهل البدع مخافة الفتن ، فأنشد :