أزوجه ابنتي ، فغضبت الأم من ذلك . وكان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر . وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء . وكانت أمواله مبذولة لهم ، ولتدبير الدولة فكانت السنة تدور عليه وعليه ديون ، وقال : ما وجبت علي زكاة قط . قلت : وفي ذلك يقول بعض الشعراء : يقولون : يحيى لا زكاة لماله * وكيف يزكي المال من هو باذله ؟ إذا دار حول لا يرى في بيوته * من المال إلا ذكره وفضائله وقال ابن الجوزي : وكان يتحدث بنعم الله تعالى عليه . ويذكر في منصبه شدة فقره القديم ، فيقول : نزلت يومًا إلى دجلة ، وليس معي رغيف أعبر به الحمام . ثم ذكر طرفًا من حلمه وصفحه وعفوه ، فقال : لما جلس في الديوان أول وزارته أحضر رجلاً من غلمان الديوان ، فقال : دخلت يومًا إلى هذا الديوان ، فقعدت في مكان ، فجاء هذا ، فقال : قم فليس هذا موضعك ، فأقامني . فأكرمه وأعطاه . ودخل عليه يومًا تركي ، فقال لحاجبه : أما قلت لك : اعط هذا عشرين دينارًا ، وكذا من الطعام ، وقل له : لا يحضر ههنا ؟ فقال : قد أعطيناه . قال : عد واعطه ، وقل له : لا يحضر . ثم التفت إلى الجماعة ، وقال : لا شك أنكم ترتابون بسبب هذا ؟ فقالوا : نعم ، فقال : هذا كان شحنة في القرى ، فقتل قتيل قريبًا من قريتنا ، فأخذ مشايخ القرى وأخذني مع الجماعة ، وأمشاني مع الفرس ، وبالغ في أذاي وأوثقني ، ثم أخذ من كل واحد شيئًا وأطلقه ، ثم قال لي : أي شيء معك ؟ قلت : ما معي شيئًا ، فانتهرني ، وقال : اذهب . فأنا لا أريد اليوم أذاه ، وأبغض رؤيته . وقد ساق مصنف سيرة الوزير هذه الحكاية بأتم من هذا السياق . وذكر : أن الوزير قال : ما نقمت عليه إلا أني سألته في الطريق أن يمهلني حسبما أصلي الفرض فما أجابني ، وضربني على رأسي وهو مكشوف عدة مقارع