الفقيه أبو محمد جريء في مسألة أمس على ما يليق به عن العدول عن الأدب والانحراف عن نهج النظر حتى قلت تلك الكلمة ، وها أنا فليقل لي كما قلت له فلست بخير منكم ، ولا أنا إلا كأحدكم ، فضج المجلس بالبكاء ، وارتفعت الأصوات بالدعاء والثناء ، وأخذ الأشتري يعتذر ، ويقول : أنا المذنب والأولى بالاعتذار من مولانا الوزير ، ويقول : القصاص ، القصاص ، فقال يوسف الدمشقي مدرس النظامية : يا مولانا ، إذا أبى القصاص فالفداء ، فقال الوزير : له حكمه ، فقال الأشتري : نعمك عليّ كثيرة ، فأي حكم بقي لي . فقال : قد جعل الله لك الحكم علينا بما ألجأتنا به إلى الافتيات عليك ، فقال : علي بقية دين منذ كنت بالشام ، فقال الوزير : يعطى مائة دينار لإبراء ذمته وذمتي ، فأحضر له مائة ، فقال له الوزير : عفا الله عنك وعني ، وغفر لك ولي . وذكر ابن الجوزي أنه قال : يعطى له مائة دينار لإبراء ذمته ، ومائة دينار لإبراء ذمتي . وكان هذا الأشتري من علماء المالكية ، طلبه الوزير من نور الدين محمود بن زنكي ، فأرسل به إليه ، فأكرمه غاية الإكرام . قال ابن الجوزي : وكان ابن الوزير إذا استفاد شيئًا قال : أفادنيه فلان حتى ، إنه عرض له يومًا حديث ، وهو " من فاته حزب من الليل فصلاة قبل الزوال كان كأنه صلى بالليل " فقال : ما أدري ما معنى هذا ؟ فقلت له : هذا ظاهر في اللغة والفقه . أما اللغة : فإن العرب تقول : كيف كنت الليلة ، إلى وقت الزوال . وأما الفقه : فإن أبا حنيفة يصحح الصوم بنية قبل الزوال ، فقد جعل ذلك الوقت في حكم الليل . فأعجبه هذا القول . وكان يقول بين الجمع الكثير : ما كنت أدري معنى هذا الحديث حتى عرفنيه ابن الجوزي ، فكنت أستحي من الجماعة . قال : وجعل لي مجلسًا في داره ، كل جمعة يطلقه ويطلق العوام في الحضور وكان بعض الفقراء يقرأ القرآن في داره كثيرًا ، فأعجبه ، فقال لزوجته : أريد أن