بجوده ونُهاه ، وأورد الأمل فيها مناه ، ومد الدين رواقه ، وأمن بدره به محاقه . فأقام سوق الخلافة على ساقها ، وابتدع في انتظام ممالكها واتساقها ، وأوضح رسمها ، وأثبت في حين أوانه وسمها ، وتتبع ما أفسدته العين منها بالإصلاح ، واستدرك لها ما أخرجته لها يد الاجتياح ، وداوى كل حال بدوائه ، ورد غائر الماء إلى لجائه ، وأقام الصلاة جماكة ، وافترض العدل سمعًا لله وطاعة ، ورعى لأهل الفضل والمعارف ، وأواهم من بره إلى ظل وارف ، حتى صارت دولته مشرعًا للكرم ، ومستراحًا لآمال الأمم ، يرتضع فيه للمكارم أخلاف ، وتداريها الأماني سلاف ، ونفقت فيها أقدار الأعلام ، وتدفقت فيها نذر الكلام ، ولاحت بها من العلماء شموس ، وارتاحت فيها للطلبة بالعلوم نفوس ، ولم تخل أيامه ومجالسه من مناظرة ، ولا عمرت إلا بمذاكرة ومحاضرة ، إلا أوقات عطلها من ذلك النظام ، وأوقعها إما على صلاة وصيام ، أو على تصنيف ، وجمع وتأليف بحيث صنف عدة كتب ، منها : كتاب " الإفصاح عن شرح معاني الصحاح " وهذا الكتاب بمفرده يشتمل على تسعة عشر كتابًا . ولما ولي الوزير أبو المظفر رحمه الله الوزارة بالغ في تقريب خيار الناس من الفقهاء والمحدثين والصالحين ، واجتهد في إكرامهم وإيصال النفع إليهم ، وارتفع أهل السنة به غاية الارتفاع . ولقد قال مرة في وزارته : واللّه لقد كنت أسأل الله تعالى الدنيا لأخدم بما يرزقنيه منها العلم وأهله . وكان سبب هذا : أنه ذكر مرة في مجلسه مفردة للإمام أحمد تفرد بها عن الثلاثة ، فادعى أبو محمد الأشتري المالكي : أنها رواية عن مالك ، ولم يوافقه على ذلك أحد ، وأحضر الوزير كتب مفردات أحمد ، وهي منها ، والمالكي مقيم على دعواه . فقال له الوزير : بهيمة أنت . أما تسمع هؤلاء الأئمة يشهدون بانفراد أحمد بها ، والكتب المصنفة ، وأنت تنازع وتفرق المجلس ؟ فلما كان المجلس الثاني ، واجتمع الخلق للسماع أخذ ابن شافع في القراءة ، فمنعه وقال : قد كان