وقد صنف ابن الجوزي كتاب ، " المقتبس من الفوائد العونية " وذكر فيه الفوائد التي سمعها من الوزير عون الدين ، وأشار فيه إلى مقاماته في العلوم . وانتقى من زبد كلامه في الإفصاح على الحديث كتابًا سماه " محض المحض " . وكان ابن هبيرة رحمه الله في أول أمره فقيرًا ، فاحتاج إلى أن دخل في الخدم السلطانية ، فولي أعمالاً ، ثم جعله المقتفي لأمر الله مشرفًا في المخزن ، ثم نقل إلى كتابة ديوان الزمام . ثم ظهر للمقتفي كفاءته وشهامته ، وأمانته ونصحه ، وقيامه في مهام الملك . فاستدعاه المقتفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة إلى داره ، وقلده الوزارة ، وخلع عليه وخرج في أبهة عظيمة . ومشى أرباب الدولة وأصحاب المناصب كلهم بين يديه ، وهو راكب إلى الإيوان في الديوان . وحضر القراء والشعراء ، وكان يومًا مشهودًا . وقرئ عهده ، وكان تقليداً عظيمًا ، بولغ فيه بمدحه والثناء عليه إلى الغاية . وخوطب فيه بالوزير العالم العادل ، عون الدين ، جلال الإسلام ، صفي الإمام ، شرف الأنام ، معز الدولة ، مجير الملة ، عماد الأمة ، مصطفى الخلافة ، تاج الملوك والسلاطين ، صدر الشرق والغرب ، سيد الوزراء ، ظهير أمير المؤمنين . وكان الوزير قبل وزارته يلقب جلال الدين ، وقال يومًا : لا تقولوا في ألقابي سيد الوزراء فإن الله تعالى سمى هارون وزيرًا ، وجاء عِن النبي صلى الله عليه وسلم أن وزيريه من أهل السماء : جبريل وميكائيل ومن أهل الأرض : أبو بكر وعمر وجاء عنه أنه قال : " إن الله اختارني ، واختار لي أصحابًا ، فجعلهم وزراء وأنصارًا " ولا يصلح أن يقال عني : أني سيد هؤلاء السادة . قال صاحب سيرته : ركب الوزير إلى داره مجاورة الديوان ، وبين يديه جميع من حضر من أرباب الدولة ، وأصحاب المناصب والأمراء والحجاب ، والصدور والأعيان ، وقد أخذ قوس الخلافة باريها ، واستقرت الوزارة في كفؤها وكافيها . فقام فيها قيام من عدَّله الزمان بثقافه ، وزينه الكمال بأوصافه ، ودبرها