وقال ابن عَقيل : كان يفوق الجماعة من أهل مذهبه وغيرهم في علم الفرائض . وكان عند الإمام - يعني الخليفة - معظمًا حتى إنه وَصَّى عند مَوته بأن يغسله ، تبركًا به . وكان حول الخليفة ما لو كان غيره لأخذه . وكان ذلك كفايةَ عُمره فوالله ما التفتَ إلى شيء منه ، بل خرج ونَسِيَ مئزره حتى حُمل إليه . قال : ولم يُشهد منه أنه شرب ماء في حلقة على شدة الحر ، ولا غمس يده في طعام أحدٍ من أبناء الدنيا . قلتُ : وللشريف أبي جعفر تصانيفُ عِدة ، منها " رؤوس المسائل " وهي مشهورة ، ومنها " شرح المذهب " وصل فيه إلى أثناء الصَّلاة ، وسلك فيه مسلك القاضي في الجامع الكبير . وله جزء في أدب الفقه ، وبعض فضائل أحمد ، وترجيح مذهبه . قد تفقه عليه طائفةٌ من أكابر المذهَب ، كالحلواني ، وابن المُخَرَّمِي ، والقاضي أبي الحسين . وكان معظمًا عند الخاصة والعامة ، زاهداً في الدنيا إلى الغاية ، قائمًا في إنكار المنكرات بيده ولسانه ، مجتهدًا في ذلك . قال أبو الحسين ، وابن الجوزي : لما احْتُضِر القاضي أبو يعلى أوصى أن يُغَسله الشريف أبو جعفر ، فلما احتضر القائم بأمر اللّه قال : يغسلني عبد الخالق ، ففعل ، ولم يأخذ مما هُناك شيئًا . فقيل له : قد وصى لك أميرُ المؤمنين بأشياء كثيرة ، فأبى أن يأخذَ . فقيل له : فقميص أمير المؤمنين تتبرك به فأخذ فوطة نفسه ، فنشفه بها ، وقال : قد لَحِقَ هذه الفوطَة بركةُ أميرِ المؤمنين . ثم استدعاه في مكانه المقتدي ، فبايعه منفردًا . قال : وكان أولَ من بايع ، وقال الشريف : لما بايعتُهُ أنشدتُهُ : * إذَا سَيّدٌ مِنا مَضَى قَام سَيِّدٌ * ثم أُرتِجَ عليَّ تمامه ، فقال هو : * قَؤولٌ لما قَالَ الكِرَامُ فَعولُ *