لا يليق بهذا الحي الكريم الفاضل على جميع الحيوان أن يُرى إلا عابدًا للّه في دار التكليف ، أو مجاورًا لله في دار الجزاء والتشريف . وما بين ذلك فهو واضع نفسه في غير مواضعها . ومن كلامه في تقرير البعث والمعاد : واللّه لا أقنع من الله سبحانه بهذه اللمحة التي مزجت بالعلاقم ، ولا أقنع من الأبدي السَّرمدي ولا يليق بذا الكرم إلا إدامة النعم . والله ما لوّح إلا وقد أعدّ ما تخافه الآمال . وما قدح أحدٌ في كمال جود الخالق وإنعامه بأكثر من جحده البعث مع تشريف النفوس ، وتعليق القلوب بالإعادة ، والجزاء على الأعمال الشاقة ، التي هجر القوم فيها اللذات ، فصبروا على البلاء طمعًا في العطاء . قال : ويَدُلُّ على أنّ لنا إعادةً تتضمن بقاءً دائمًا ، وعيشًا سالمًا : أن أصح الدلالة قد دلّت على كمال البارئ سبحانه وتعالى ، وخروجه عن النقائص . وقد استقرينا أفعالَه ، فرأيناهُ قد أعدّ كل شيء لشيء . فالسمعُ للمسموعات ، والعين للمبصرات ، والأسنان للطحن ، والمنخران للشمّ ، والمعدة لطبخ الطعام . وقد بقي للنفس غرض قد عجن في طينها : وهو البقاء بغير انقطاع ، وبلوغ الأغراض من غير أذى . وقد عدمت النفس ذلك في الدنيا . ثم إنا نرى طالما لم يقابل ولا تقتضي الحكمة لذلك . فينبغي أن يكون لها ذلك في دار أخرى . قال : ولأنظر إلى صُورة البلى في القبور ، فكم من بداية خالفتها النهاية . فإن بداية الآدمي والطير ماء مُسَخَّن مستقذَرٌ ، ومبادي النبات حَبٌّ عَفِن ، ثم يخرج الآدمي والطاوس . وكذلك خروجُ الموتى بعد البلى . قال : وبينا أنا نائم سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة ، لاحت لي مقبرة ، وكأن قائلاً يقول : هذه خيم البلى ، على باب الرجاء وعلى الوفاء . قال : وهذا الإلقاء من الله تعالى لكثرة لهجي بالبعث ، وتشوفي إلى الاجتماع بالسلف النطاف ، وتبرمي من مخالطة السفساف .