ومن معاني كلامه يستمدّ أبو الفرج بن الجوزي في الوعظ . فمن ذلك ما قاله في الفنون : لقد عظم الله سبحانه الحيوان ، لا سيما ابن آدم ، حيث أباحه الشرك عند الإكراه ، وخوف الضرر على نفسه ، فقال : " إلاَّ مَنْ أكْرهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان " النحل : 106 . من قدَّم حرمة نفسك على حرمته ، حتى أباحك أن تتوقى وتحامي عن نفسك بذكره بما لا ينبغي له سبحانه ، لحقيق أن تعظم شعائره ، وتقر أوامره ، وزواجره . وعصم عرضك بإيجاب الحدّ بقذفك ، وعَصَم مالك بقطع مسلم في سرقته ، وأسقط شطر الصلاة لأجل مشقتك ، وأقام مسح الخف مقام غسل الرجل إشفاقًا عليك من مشقة الخلع واللبس ، وأباحك الميتة سدًّا لرمقك ، وحفظًا لصحتك ، وزجرك عن مضارك بحد عاجلٍ ، ووعيد آجل ، وَخَرق العوائد لأجلك ، أنزل الكتب إليك . أيحسن بك - مع هذا الإكرام - أن تُرى على ما نهاك منهمكًا ، وعما أمرك متنكبًا ، وعن داعيه معرضًا ، ولسنته هاجرًا ، ولداعي عدوك فيه مطيعًا ؟ يعظمك وهُوَ هُو ، وتهمل أمره وأنت أنت . هو حط رتب عباده لأجلك ، وأهبط إلى الأرض من امتنع من سجدة يسجُدها لك . هل عاديتَ خادمًا طالتْ خدمته لك لترك صلاة . هل نفيته من دارك للإخلال بفرض ، أو لارتكاب نهي . فإن لم تعترف العبيد للموالي ، فلا أقل من أن تقتضي نفسك للحق سبحانهُ ، اقتضاء المساوي المكافي . ما أوحش ما تلاعب الشيطان بالإنسان بينا يكون بحضرة الحق ، وملائكةُ السماء سجودٌ له ، تترامى به الأحوال والجهالات بالمبدأ والمآل ، إلى أن يوجد ساجدًا لصورة في حجر ، أو لشجرة من الشجر ، أو لشمسٍ أو لقمر ، أو لصورة ثور خار ، أو لطائر صفرة ما أوحش زوال النعم ، وتغيّر الأحوال ، والجَوْرَ بعد الكور !