نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 91
الله عزّ وجلّ فهذا وصف كلام الله عزّ وجلّ الذي جعله الله لنا آية وعبرة ونعمة علينا ورحمة . فانظر إلى الحكيم كيف جعل عقول البشر في فهم كلام الله العظيم بمنزلة فهم البهائم والطير بالنقر والصفير إلى عقول البشر وجعل النقر والصفير والإفهام من الناس للأنعام والهوام مثلا لما أفهم الله تعالى به الأنام من معاني كلامه الجليل بما ألهم به من الكلام . إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم ، فهذه قدرة لطيفة من قدرته التي لا تتناهى وحكمة محكمة من حكمه التي لا تضاهي . إنه حكيم عليم ، ثم ليشهد العبد أنه مقصود بجميع القرآن من فاتحته إلى خاتمه مراد معنى به له ضربت الأمثال به وفيه جميع ذكره وأوصافه لأن الله سبحانه وتعالى لما تكلم بهذا الكلام وخاطب به المؤمنين كان هو واجدهم وكان حاضرا معهم وقد سوى الله عزّ وجلّ بين المؤمنين في تنزيل القرآن عليهم وبين النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بمعنى من المعاني فقال : * ( واذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ وما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ من الْكِتابِ والْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ به ) * [ البقرة : 231 ] كما قال : * ( لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ) * [ الأنبياء : 10 ] وكذلك قال : * ( وأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) * [ النحل : 44 ] . وقال : * ( كَذلِكَ يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ ) * [ محمد : 3 ] يعني صفاتهم وقال : ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات كما قال : * ( ولَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) * [ البقرة : 99 ] . وقال عزّ وجلّ : * ( واتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ واصْبِرْ ) * [ يونس : 109 ] ثم قال : * ( اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من رَبِّكُمْ ) * [ الأعراف : 3 ] وقال : * ( فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ومن تابَ مَعَكَ ) * [ هود : 112 ] غير أنه سبحانه عمّ الجملة بالبصائر والبيان وخصّ بالهدى والرحمة أولي التقي والإيمان . فمن ذلك قوله عزّ وجلّ : * ( هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وهُدىً ورَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) * [ الجاثية : 20 ] : * ( هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وهُدىً ومَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) * [ آل عمران : 138 ] . فالموقنون هم المتّقون ، والمهديّون هم المرحومون وقد أمرنا بطلب فهم القرآن كما أمرنا بتلاوته . وروينا عن نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال : « اقرؤا القرآن والتمسوا غرائبه » . وقال ابن مسعود : من أراد علم الأوّلين والآخرين فليثوّر القرآن . ومن حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : « و الذي بعثني بالحق نبيا لتفترقنّ أمتي على أصل دينها وجماعتها على اثنين وسبعين فرقة كلها ضالَّة مضلَّة يدعون إلى النار ، فإذا كان ذلك فعليكم بكتاب الله عزّ وجلّ فإن فيه نبأ ما كان قبلكم ونبأ ما يأتي بعدكم وحكم ما بينكم وبين من خالفه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم من غيره أضله الله . وهو حبل الله المتين ونوره المبين وشفاؤه النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يعوّج فيقام ولا يزيغ فيستقيم ولا تنقضي
91
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 91