نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 90
بفهمه الذي قسم له حكمة منه ورحمة ، إذ لو تكلم الجبار عزّ وجلّ بوصفه الذي يدركه سمعه لما ثبت للكلام عرش ولا ثري لتلاشي ما بينهما من عظمة سلطانه وسبحات أنواره فحجب ذلك في غيب علمه عن العقول وستر بصنع قدرته عن القلوب وأظهر للقلوب علوم عقولها وأشهد للعقول عرف معقولها بلطفه وحنانه ورحمته وإحسانه . وبلغنا في الأخبار السالفة أن وليا من أولياء الله عزّ وجلّ من الصديقين ابتعثه في الفترة إلى ملك من الجبابرة يدعو إلى التوحيد وإلى شريعة الأنبياء . فسأله الملك عن أشياء من معاني التوحيد فجعل الصديق يجيبه عنها بما يقرب من فهمه ويدركه عقله من ضروب الأمثال بما يستعمله الناس بينهم ويتعارفونه عندهم إلى أن قال له الملك : أ فرأيت ما يأتي به الأنبياء إذا ادعيت أنه ليس بكلام الناس ولا رأيهم ، أمن كلام الله هو ؟ قال الحكيم : نعم قال الملك : فكيف يطيق الناس حمله ؟ قال الصديق : إنّا رأينا الناس لما أرادوا أن يفهموا بعض الدواب والطير ما يريدون من تقديمها وتأخيرها وإقبالها وإدبارها لم يجدوا الدواب والطير تحمل كلامهم فوضعوا لها من النقر والصفير والزجر ما عرفوا أنها تطيق حمله . فكذلك الناس يعجزون أن يحملوا كلام الله ككنهه بكماله وصفته ، فصاروا بما تراجعوا بينهم من الأصوات التي سمعوا بها الحكمة كصوت الزجر والنقر الذي سمعت به الدواب من الناس ولم يمنع ذلك معاني الحكمة المخبوءة في تلك الأصوات من أن شرف الكلام بشرفها وعظم بتعظيمها فكان الصوت للحكمة جسدا ومسكنا والحكمة للصوت نفسا وروحا . فكما أن أجساد البشر تكرّم وتعزّ لمكان الروح التي فيها وكذلك أصوات الكلام تشرّف وتكرّم للحكمة التي فيها . والكلام على المنزلة رفيع الدرجة قاهر السلطان نافذ الحكم في الحق والباطل وهو القاضي العادل والشاهد المرتضى يأمر وينهى ولا طاقة للباطل أن يقوم قدام كلام الحكمة كما لا يستطيع الظل أن يقوم قدام شعاع الشمس ولا طاقة للبشر أن ينفذوا غور الحكمة كما لا طاقة لهم أن ينفدوا بأبصارهم ضوء عين الشمس ، ولكنهم ينالون من شعاع الشمس ما تحيا به أبصارهم ويستدلون به على حوائجهم . فالكلام كالملك المحجوب الغائب وجهه الشاهد أمره كالشمس الغزيرة الظاهرة مكنون عنصرها ، وكالنجوم الزاهرة التي قد يهتدي بها من لا يقع على سرّها . فالكلام أعظم وأشرف من ذلك هو مفتاح الخزائن النفسية وباب المنازل العالية ومراقي الدرجات الشريفة وشراب الحياة الذي من شرب منه لم يمت ، ودواء الأسقام التي من سقي منه لم يسقم إذا لبسه من لم يتسلَّح به أبدى عورته وإذا تسلح به غير أهله لم يخرج إلَّا منهم نقلت هذا نقلا من كلام الصديق الحكيم الذي خاطب به الملك فاستجاب له بإذن
90
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 90