responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 460


الأخرى وأنهما بمنزلة المشرق والمغرب من استقبل أحدهما استدبر الآخر ، وأنهما بمنزلة كفّتي الميزان رجحان إحداهما بنقصان الأخرى وكان عمر رضي الله عنه يقول : والله إن هما إلا بمنزلة قدحين لك ملئ أحدهما فما هو إلا أن تفرغ أحدهما في الآخر يعني أنك إن امتلأت من الدنيا تفرّغت من الآخرة وإن امتلأت من الآخرة تفرّغت من الدنيا ، وإن كان لك ثلث قدح الآخرة أدركت ثلثي قدح الدنيا وإن كان لك ثلثا قدح الآخرة يكون لك ثلث قدح الدنيا . وهذا تمثيل حسن إلا أن فيه شدّة وتدقيقا . وقال بعض السلف : مثل من زهد في الدنيا مع التنعم فيها كمثل من يغسل يديه من الغمر بسمك . وقال آخر : مثل من زهد وهو يطلب الدنيا مثل يطفئ النار بالحلفاء . وكان بعض الزاهدين من أهل الشام يتكلم عليهم ، فكان رجاء بن حيوة فقيه أهل الشام يحضر مجلسه ، فاحتبس يوما عنهم وقد اجتمعوا فتكلم عليهم مؤذن الجامع فأنكر صوته رجاء بن حيوة فقال : من هذا ؟ فقال :
أنا فلان فقال : اسكت عافاك الله إنّا نكره أن نسمع الزهد إلا من أهله . وفي لفظ آخر : إنّا نكره أن نسمع الوعظ إلا من أهل الزهد . وقال عيسى عليه السلام : لا تنظروا إلى أموال أهل الدنيا فإن بريق أموالهم يذهب بنور إيمانكم وقال بعض العلماء : تقليب الأموال يمصّ حلاوة الإيمان .
وروينا في الخبر : لكلّ أمة عجل ، وعجل هذه الأمة الدينار والدرهم ، وكان أصل العجل من الحلية . وقال عزّ وجلّ : * ( ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ ) * [ الرعد : 17 ] فكان فهم هذه السنّة عن سمع هذه الآية يقال : ما من يوم ذي شارقة إلا وأربعة أملاك ينادون في الآفاق بأربعة أصوات ، ملكان بالمشرق وملكان بالمغرب . يقول أحدهما من المشرق : يا باغي الخير هلمّ ويا باغي الشرّ أقصر . ويقول الآخر : اللَّهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا . ويقول أحد اللذين في المغرب : لدوا للموت وابنوا للخراب . ويقول الآخر : كلوا وتمتعوا لطول الحساب . وقال بعض العلماء : إن الله تعالى وسم الدنيا بالوحشة ليجعل أنس المطيعين به وبلغنا أن من دعاء أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه : اللَّهم إني أسألك الذلّ عند النصف من نفسي والزهد فيما جاوز الكفاف .
وقال بعض العارفين : ما من شيء إلا وهو مطروح في الخزائن إلا الفقر مع المعرفة فإنه مخزوم مختوم عليه لا يعطاه إلا من طبع بطابع الشهداء . وقد يحتجّ بعض علماء الدنيا لأنفسهم بتفضيل الغنى على الفقر بتأويل الخبر من قوله تعالى : * ( ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ من يَشاءُ ) * [ الجمعة : 4 ] وهذا عند أولي الألباب في تدبّر الخطاب معنيّ به الفقراء لأنه قيل لهم في أوّل الكلام : إن فعلتم كذا لم يسبقكم أحد قبلكم ولم يدرككم أحد بعدكم

460

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 460
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست