نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 459
يأكل الدنيا بالدين أو يزخرف القول ويشبه العلم على الغافلين . فمثله كما قال علي رضي الله عنه للخوارج حين قالوا : لا حكم إلا الله فقال : كلمة حقّ أريد بها باطل وصدق رضوان الله عليه لأنهم أرادوا بذلك إسقاط حكم الأئمة وترك الطاعة للإمام العادل . كما أراد القائل : إنما آكل رزقي وآخذ من الأشياء قسمي ، الاحتجاج لنفسه بهواه والاعتذار عند الجاهلين خيفة لومهم إياه ولا يعلم المغرور بداء الغرور أنه وإن كان يأكل رزقه من الدنيا ويأخذ قسمه من العطاء فبحكم النقص والبعد وبوصف الرغبة والحرص لأن السارق والغاصب أيضا يأكل رزقه ويأخذ قسمه ولكن بحكم المقت وسوء الاختيار إذا كان الله سبحانه وتعالى يرزق الحرام للظالمين كما يرزق الحلال للمتقين وإنما بينهما سوء القضاء ودرك الشقاء للأعداء وحسن التوفيق والاختيار بالسعادة للأولياء من المولى الكريم فقد حرم المدعي لذلك رزقه من الزهد وبخس نصيبه الأوفر من حبّ الفقر ونقص حظَّه الأفضل من الآخرة إذ كانت الدنيا ضدّها وجعل ما صرف فيه وما صرف إليه سببا لنقصان مرتبته من طرائق الزاهدين ، وأنه قد اختبر بالدنيا وبما فتح عليه من السرّاء ليظهر صدقه من كذبه فوقع في الفتنة ولم يفطن للابتلاء وصارت مشاهدته هذه إذا كان صادقا فيها غير كاذب على وجده حجابا له عن علوم العارفين المعصومين ، واستدرج بعلمه هذا لأنه علم من علوم الدنيا يفنى بفنائها لا ثمرة له في الباقية مكر به فيه وعدل به إليه عن علوم الخائفين ومشاهدة الورعين الزاهدين الذين نظروا من الحلال في الدقيق وصدقوا القول في ترك الرغبة بالعمل بالزهد للتحقيق وإن كان كاذبا في مشاهدته ظالما لنفسه بما ادّعاه من وجده فهو من أولياء الشياطين ومن أئمة المضلين قيض للاعبين وسيق إليهم فتنة لهم ليس إماما للمتقين بل من الأئمة المضلَّين المحرومين أبناء الدنيا الغافلين رغبة في الدنيا وزهدا في طرائق السلف لوجود الطمع وعدم اليقين فقد مكر بهذا المعدول به عن علوم الموقنين وحقائق مشاهدتهم على هذا الوصف الذي أريد به بالذي تقلَّب فيه وهو لا يشعر بالمكر ولا يعرف الاستدراج بالنّعم وأنّى له بعلم ذلك والله تبارك وتعالى يقول : * ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) * [ الأعراف : 182 ] . وقال تعالى : * ( ومَكَرُوا مَكْراً ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) * [ النمل : 50 ] فهيهات هيهات أن يفطن الممكور لما مكر به أو يعلم المستدرج ما درج فيه لأن الماكر ألطف الماكرين والمدرج أحكم الحاكمين نعوذ باللَّه تعالى من الاغترار بعلم الإظهار ونسأله الصلاة على نبيّه محمد وآله أجمعين وحسن التوفيق لمشاهدة علم التحقيق ، وبمثل ما قلناه جاءت الآثار وكثرت الأخبار إن مثل الدنيا والآخرة كضرتين رضا إحداهما في سخط
459
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 459