responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 447


كما قال تعالى : * ( والله خَيْرٌ وأَبْقى ) * [ طه : 73 ] . ولأنه قال تعالى : * ( ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وما عِنْدَ الله باقٍ ) * [ النحل : 96 ] فنسب الدنيا إلينا ليذلنا بها لأنّا أهل الفناء وليزهدنا فيها . وأضاف الآخرة إليه ليعزها به لأنه أهل البقاء وليرغبنا فيها . فإذا شهد العبد بعين قلبه ويقين إيمانه ما صدّق به مما عقله الذي هو فهم سمعه وإدراك خبره ما يفنى آخره كأنه لم يكن وما يبقى آخره كأنه لم يزل كان من المتفكَّرين في هذه الآية المشاهدين لها . وممن تلاها حقّ تلاوتها فآمن حقيقة الإيمان وزهد في الدنيا حقيقة الزهد ورغب في الآخرة حق الرغبة وكان من أولي الأيدي والأبصار أي من ذوي القوى في الدين والبصائر في اليقين .
فلما أبصر بقواه عبر الدنيا إلى الله تعالى وكان زاده تقواه . كما قال تعالى : * ( ومن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) * [ الذاريات : 49 ] أي تذكرون الفرد ففرّوا إلى الله أي من الأشكال والأضداد . وكما قال : فاعتبروا يا أولي الأبصار فعبر لما أبصر معه عندها كان ممن أخذ الكتاب بقوّة قيل : بعمل فيه وقيل : بيقين فيه ويقال : بجدّ واجتهاد ، فكان من المحسنين الذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة وتلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : * ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِياماً وقُعُوداً وعَلى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّماواتِ والأَرْضِ ) * [ آل عمران : 191 ] الآية . وقال : ويل لمن قرأها ولم يتفكَّر فيها ويل لمن تلاها ومسح بها سبلته وذلك أن السماوات والأرض عبّر بهما عما وراءهما من درجات الجنات ودركات النيران . وهو الملكوت إلى الملك الباطن والملك الكبير فكشف هذان عمّا علا وسفل وأحاط بهما من العرش والثرى لمن تفكَّر فيهما ثم كشف ذلك له ورآه من العزة وجاوز الأفكار الملكوت لما شرحت القلوب بأنوار اليقين إلى الأفق الأعلى والجبروت فنفذت أبصار المتفكرين بقواها إلى مشاهدة ذلك وبقيت أنوار يقنيهم معاينة ما أحاط بذلك وهو ما قدمنا ذكره آنفا مما لم يظهر كشفه كنحو ما نبّه الله تعالى العباد بما يشهدون إلى ما وراءه ممّا به أيقنوا وللمؤمنين مشاهدة للدنيا قريبة دون هذه من طريق العقول يشهدون أنها عقوبة كما قيل :
ما فتحت الدنيا على عبد إلا مكرا به ولا زويت عنه إلا نظرا له .
وسمعنا في أخبار داود عليه السلام : أن الله تعالى أوحى إليه : تدري لم ابتليت آدم بأكل الشجرة لأني جعلت معصيته سببا لعمارة الدنيا فينبغي في دليل لخطاب أن تكون الطاعة سبب خرابها وهو الزهد فيها . فصحّ بذلك الخبر المشهور : حبّ الدنيا رأس كلّ خطئة لأنه كان أساسها ولكن لا يسع ذلك العامة لأنهم مرادون بالعمارة وصلح لنفر من الخاصة لأن نقصان عددهم من الكافة لا ينقص عمارة الدنيا إذ المراد عمارتها بأهلها .
ويقال عن آدم عليه السلام : لما أكل الشجرة تحرّكت معدته لخروج الثفل ولم يكن ذلك

447

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 447
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست