نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 448
مجعولا في شيء من أطعمة الجنة إلا في هذه الشجرة ، فلذلك نهيا عن أكلها قال : فجعل يدور في الجنة فأمر الله تعالى ملكا يخاطبه فقال له : أيّ شيء تريد ؟ فقال آدم عليه السلام : أريد أن أضع ما في بطني من أذى فقيل للملك : قل له في أيّ مكان تضعه علي الفرش أم على السرر أم على الأنهار أم تحت ظلال الأشجار هل ترى هاهنا موضعا يصلح لذلك ولكن اهبط إلى الدنيا . قال : وتلطف الله تعالى له بهذا المعنى فأهبطه إلى الأرض وقد نغص الله تعالى فاكهة الدنيا وغيرها بحشو العجم والثفل ليزهد فيها وأخبر أنها مقطوعة ممنوعة ليرغب في الدائم الموهوب . وكان بعض العلماء يقول : ما سطع لي زينة من زخرف الدنيا إلا كشف لي باطنه فظهر لي عزوف عنه فهذه عناية من الله تعالى بمن وليه من أوليائه المقرّبين منه . فمن شهد الدنيا بأوّل وصفها لم يغترّ بآخره ، ومن عرفها بباطن حقيقتها لم يعجب بظاهرها ، ومن كوشف بعاقتبها لم يستهوه زخرفها . وكان عيسى عليه السلام يقول : ويلكم علماء السوء مثلكم مثل قناة حش ظاهرها جص وباطنها نتن . وقال مالك بن دينار رحمه الله : اتقوا السحارة فإنها تسحر قلوب العلماء يعني الدنيا . فمن حرص على الدنيا بالباطل فقد قتل نفسه ، فإن قوى حرصه عليها واشتد عشقه لها قتل غيره . قال الله تعالى : * ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ . . . ولا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) * [ النساء : 29 ] وقال في قتل غيره بصده إياه عن سبيل الله : * ( إِنَّ كَثِيراً من الأَحْبارِ والرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ويَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله ) * [ التوبة : 34 ] . وروينا في أخبار عيسى عليه السلام : إنه مرّ في سياحته ومعه طائفة من الحواريين بذهب مصبوب في الأرض فوقف عليه ثم قال : هذا القاتول فاحذروه ، ثم عبروا أصحابه فتخلف ثلاثة لأجل الذهب فأقام اثنان ودفعا إلى واحد شيئا منه يشتري لهم من الطيّبات من أقرب الأمصار إليهم فوسوس إليهما العدوّ : ترضيان أن يكون هذا المال بينكم أثلاثا اقتلوا هذا فيكون المال بينكم نصفين . فأجمعا على قتله إذا رجع إليهما . قال : وجاء الشيطان إلى الثالث فوسوس إليه أرضيت لنفسك أن تأخذ ثلث المال اقتلهما فيكون المال كلَّه لك قال : فاشترى سمّا فجعله في الطعام فلما جاءهما به وثبا عليه فقتلاه ثم قعدا يأكلان الطعام فلما فرغا ماتا . فرجع عيسى عليه السلام من سياحته فنظر إليهم حول الذهب صرعى والذهب بحاله فعجب أصحابه وقالوا : ما شأن هؤلاء فأخبرهم بهذه القصة . وقيل لابن المبارك : من الناس ؟ قال : العلماء ؟ قيل : فمن الملوك ؟ قال : الزاهدون . وروينا عن ابن المسيب عن أبي ذر قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : من زهد في الدنيا أدخل الله تبارك
448
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 448