responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 434


وإيثاره في كل شيء فينبغي أن يكون الزهد مخالفة الهوى من كلّ شيء ، وأما المعنى الآخر الذي عبّر به عن هذا الوصف الذي هو الهوى فجعله دنيا أيضا فهو حبّ البقاء لمتعة النفس . استنبطنا ذلك من قوله تعالى : * ( وقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) * [ النساء : 77 ] . فالقتال هو فراق الحياة الدنيا لأنه المشي بالسيف إلى السيف والفناء بين السيفين فقالوا : هلا أبقيتنا إلى وقت آخر وهو أجلنا بالموت لا بالقتل وهذا هو حبّ البقاء ففسر حب البقاء بأنه هو الدنيا . فقال تعالى : * ( قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ والآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى ) * [ النساء : 77 ] فانكشف الناس وافتضح المنافقون وابتلى المؤمنون عند فرض القتال وظهر المحبون الذي يقاتلون في سبيله صفّا كأنهم بنيان مرصوص وعندها ربح الذين هم لأنفسهم وأموالهم بائعون وخسر الذين هم للحياة الدنيا بالآخرة مشترون لما قال الله تعالى : * ( إِنَّ الله اشْتَرى من الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) * [ التوبة : 111 ] فلما اشتراها باعوها وقال في المشترين الخاسرين : * ( اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ ) * [ البقرة : 86 ] يعني رغبوا في البقاء الأدنى لما اشتروه ببيع البقاء الآخرة إذ باعوه . فمن اشترى ثلاثين سنة وأربعين سنة بألف ألف وبأبد الأبد فما ربحت تجارته ولا هدى سبيله ، فهذه تجارة من رغب في حياة دنياه فاشتراها ببقاء الأبد فقد صار بائعا للحياة العالية بما استبدل به من اشتراء ضدها فهذا تدبر قوله تعالى : * ( اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا ) * [ البقرة : 86 ] أي باعوا الحياة العليا وذلك الأوّل تجارة من باع حياة نفسه وفرّق مجموع ماله فاشتراه الله تعالى منه وعوضه داره وأسكنه عنده جواره فقد ربحت تجارته واهتدى سبيله ، لما باع حياة عشرين سنة وثلاثين سنة بحياة أبد الأبد ، فهذا ربح تجار الآخرة الزاهدين في الدنيا وذلك خسر تجار الدنيا الراغبين في الهوى . فشتان بين التجارتين . فما أعظم حسرة الفوت على من خسر ما ربحه الزاهدون بعد الموت ، وقد كان الناس مستورين بإظهار الزهد في البقاء ومظنونا بهم حبّ الباقي الأعلى حتى نزلت : * ( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ) * [ النساء : 77 ] الآية . وحتى نزل : * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) * [ الصف : 2 ] . كانوا قالوا : إنّا نحبّ ربنا ولو علمنا في أيّ شيء محبّته لفعلناه . فلذلك قال تعالى : * ( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ . إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِهِ صَفًّا ) * [ الصف : 3 - 4 ] ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما كنت أحسب أن فينا أحدا يريد الدنيا حتى نزلت * ( مِنْكُمْ من يُرِيدُ الدُّنْيا ومِنْكُمْ من يُرِيدُ الآخِرَةَ ) * [ آل عمران : 152 ] . وكذلك

434

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 434
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست