نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 435
قاله رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : حين نزلت * ( ولَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا من دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ) * [ النساء : 66 ] . قال ابن مسعود قال لي رسول الله عليه السلام : قيل لي : أنت منهم ، أي من القليل الذي كان يفعل ذلك . فإذا كان حبّ البقاء هو الدنيا فينبغي أن يكون حبّ بقاء الباقي هو الزهد فصار الزهد في الدنيا هو الزهد في البقاء . فمن زهد في الحياة الفانية وفي ماله المجموع بالجهاد للنفس والإنفاق في سبيل الله فقد زهد في الدنيا . ومن زهد في الدنيا أحبّه الله تعالى كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : ولذلك صار الجهاد أفضل الأعمال لأنه حقيقة الزهد في الدنيا ولأن الله تعالى يحبّ من زهد في الدنيا ثم كان مخالفة الهوى أفضل الجهاد لأنه هو حقيقة الرغبة في الدنيا ، وقد عبّر به رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عن الزهد في الدنيا إذ قال في الحديث الأول : ازهد في الدنيا يحبّك الله تعالى . ثم قال في الخبر الثاني بمعناه : اجتنب المحارم يحبك الله تعالى ، واجتنابهم زهد في الدنيا ، فالزاهد في الدنيا حبيب ربه تعالى ، والراغب في حبّ البقاء لنفسه منافق في دين ربّه تعالى ، ومنه الخبر الذي جاء : من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق ، وبه كشف الله تعالى الكاذبين ووصفهم بمرض القلوب . فقال سبحانه وتعالى : * ( فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) * يعني نفاقا : * ( يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ من الْمَوْتِ ، فَأَوْلى لَهُمْ ) * [ محمد : 20 ] تهدد ووعيد أي ولهم العذاب وقرب منهم ثم قال : * ( طاعَةٌ وقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الأَمْرُ ) * [ محمد : 21 ] وحقّت الحقائق كذبوا ونكثوا ، « فَلَوْ صَدَقُوا الله » أي في الوفاء « لَكانَ خَيْراً لَهُمْ » ، وهذا من الكلام المضمر . فلذلك أشكل والبقاء والحياة اسمان لمعنى ، ولذلك جعل الله تعالى الدنيا وصفا للحياة فتكون الدنيا هي الحياة ونعتها بالدنيا نعت مؤنث لدخول الهاء في الاسم التي هي إحدى علامات التأنيث ، فصارت الحياة هي الدنيا وصار قوله الدنيا نعتها بالدناءة . ولو كان الاسم مذكرا مثل البقاء نعته بمذكر فقال : الأدنى . وقد قال في مثله : * ( يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الأَدْنى ) * [ الأعراف : 169 ] فالأدنى تذكير الدنيا ، والدنيا تأنيث أدنى كالأعين والأقنى والأشعث ، تذكير عيناء وقنواء وشعثاء ، والعرض اسم لما يعرض ويقل بقاؤه فمن أحبّ ذلك فقد أحبّ الدنيا بحبه الأدنى ، وهذا يرجع إلى حبّ حياة الأصل لأنه إنما يريد العرض الأدنى لأجل الحياة فصار حبّ البقاء الذي لأجله يريد عرض الأدنى هو الدنيا وصار حبّ العرض لأجل البقاء من الدنيا فجاء من هذا الذي
435
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 435