نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 429
وقد روينا في خبر عن أهل البيت : إذا أحبّ الله تعالى عبدا ابتلاه . فإذا أحبه الحبّ البالغ اقتناه . قيل : وما اقتناؤه ؟ قال لم يترك له أهلا ولا مالا . وفي أخبار أهل الكتب : أوحى الله تعالى إلى بعض أوليائه : احذر إذا مقتك فتسقط من عيني فأصبّ عليك الدنيا صبّا ويقال : ليس عمل من أعمال البر يجمع الطاعات كلها إلا الزهد في الدنيا . وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم : تابعنا الأعمال كلَّها فلم نر أبلغ في أمر الآخرة من زهد في الدنيا وقال بعض الصحابة لصدر التابعين : أنتم أكثر أعمالا واجتهادا من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وهم كانوا خيرا منكم . قيل ولم ذلك ؟ قال كانوا أزهد منكم في الدنيا . وفي وصية لقمان لابنه : واعلم أن أعون الأشياء على الدين زهادة في الدنيا . ويقال : من زهد في الدنيا أربعين يوما أجرى الله تعالى ينابيع الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه . وفي خبر آخر : إذا رأيتم العبد قد أعطى صمتا وزهدا في الدنيا فاقتربوا منه فإنه يلقي الحكمة . وقد قال الله تعالى : * ( من يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) * [ البقرة : 269 ] . وروينا في الآثار جمل هذه الأخبار : من أصبح وهمه الدنيا شتّت الله تعالى عليه أمره وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم ينل من الدنيا إلا ما كتب له ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله همه وحفظ عليه ضيعته وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة . وقال الله تعالى في معنى ذلك : * ( من كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ ومن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وما لَهُ في الآخِرَةِ من نَصِيبٍ ) * [ الشورى : 20 ] وقد روينا في خبر قلنا : يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال : مجموم القلب صدوق اللسان قلنا : يا رسول الله وما مجموم القلب ؟ قال التقيّ النقيّ الذي لا غلّ فيه ولا غشّ ولا حسد ولا بغي قيل : يا رسول الله فمن على أثره ؟ قال : الذي يشنأ الدنيا ويحبّ الآخرة والشيء يعرف بضده كما يعرف بمثله وضد الشنئان المحبة وضد الزهد الرغبة . وفي دليل خطابه : إن شرّ الناس الذي يحبه الدنيا وإن الراغب فيها هو المحبّ لها . والاقتناء لها والاستكثار منها علامة الرغبة فيها . كيف وقد جاء أيضا : إن أردت أن يحبك الله تعالى فازهد في الدنيا فجعل الزهد سبب محبة الله تعالى فصار الزاهد حبيب الله تعالى فينبغي أن يكون الزهد من أفضل الأحوال إذ المحبة أعلى المقامات . وفي دليل الكلام : إن من رغب في الدنيا فقد تعرض لبغض الله تعالى الذي لا شيء أعظم منه وأن المحبّ للدنيا بغيض الله تعالى . وكان أبو محمد رحمه الله تعالى يقول : اجعلوا أعمال البرّ كلَّها في موازين الزهّاد ويكون ثواب زهدهم زيادة لهم . وقال أيضا : العباد في موازين العلماء والعلماء في موازين الزهاد يوم القيامة فلا يطمعنّ طامع في محبة الله تعالى وهو محبّ للدنيا لأن الله تعالى يمقتها .
429
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 429