responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 428


أن هذا عند أهل التدبّر للقرآن مزيدا للفقراء لتمام حالهم لما كانوا محسنين كما قال سبحانه وتعالى : * ( وسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ) * [ البقرة : 58 ] فكان مزيدهم الحزن والإشفاق وخوف التقصير لمشاهدة عظم حقّ الربوبية عليهم حتى كأنهم مسيئون حتى بشرهم الله تعالى بأنهم محسنون لما قال عزّ وجلّ : * ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ من سَبِيلٍ ) * [ التوبة : 91 ] لأنه ضمّهم إليهم في الوصف وعطفهم عليهم في المعنى . وأيضا فلم يكن بكاؤهم على فوت الدنيا ولا على طلب الغنى . والله تعالى يمدحهم بصبرهم عن الدنيا ويذم الدنيا إليهم بل حزنهم على طلب المزيد من الفقر ليجدوا الإنفاق فيخرجوه فيفتقروا منه فيزدادون فقرا ببذله إلى فقرهم فعلى كثرة الإنفاق وحقيقة الفقر من الدنيا كان حزنهم فهذا فضل ثان للفقراء لا على الجمع والادخار والموضع الأعلى الذي فضل الفقراء من هذه الآية عن أهل الاستنباط والتفكَّر وهو مشاركتهم لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم في حاله . ووصف الله تعالى رسوله صلَّى الله عليه وسلم بمثل حالهم في قوله تعالى : * ( قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ) * [ التوبة : 92 ] ثم نعتهم بمثله لأنهم هم الأمثل . فالأمثل به فقال تعالى : * ( أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ ) * [ التوبة : 92 ] فمن كان برسول الله صلَّى الله عليه وسلم أمثل فهو أفضل . كيف وقد روينا عن النبي : تحفة المؤمن في الدنيا الفقر فجعل الفقر تحية له من ذي التحيات المباركات مع الخبر المشهور : الفقر على المؤمن أزين من العذار على خد الفرس الجواد . والفقر اختيار رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وشعار الأنبياء وطريقة علية الصحابة والأصفياء .
وروينا في الخبر : آخر الأنبياء دخولا الجنة سليمان بن داود لمكان ملكه وآخر أصحابي دخولا الجنة عبد الرحمن بن عوف لأجل غناه في الدنيا وفي الخبر الآخر رأيته يدخل الجنة زحفا ولا نعلم في الأمة أفضل من طائفتين ، المهاجرون وأهل الصفة وجميعا مدح الله تعالى بالفقر . فقال : * ( لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا في سَبِيلِ الله ) * [ البقرة : 273 ] * ( لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا من دِيارِهِمْ ) * [ الحشر : 8 ] فقدم وصفهم بالفقر على أعمالهم الهجرة والحصر . والله تعالى لا يمدح من يحبّ إلا بما يحبّ ولا يصفه حتى يحبه .
وروينا في قوله تعالى : * ( وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) * [ الأنبياء : 73 ] لما صبروا قيل : عن الدنيا . وفي خبر : العلماء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا فإذا دخلوا في الدنيا فاحذروهم على دينكم . وجاء في الأثر لا يزال لا إله إلا الله ترفع عن العباد سخط الله تعالى ما لم ينالوا ما نقص من دنياهم . وفي خبر آخر ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم ، فإذا فعلوا ذلك وقالوا : لا إله إلا الله قال الله عزّ وجلّ : كذبتم لستم بها صادقين .

428

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 428
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست