نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 423
فلم يعطعه إلى ظل ممدود فوقه ولم يرفع منه إلى محل رفيع أعلاه ومثل الخائفين من المؤمنين مثل الكروبيين من الملائكة . ومثل الراجين من المحبين ، كمثل الروحانيين من المقرّبين . وأصل الرجاء وتفضيله أن عند العلماء باللَّه تعالى من عظيم الرجاء ما يضاهي عظيم الخوف ، فيعدل البنية ويحكم بين المقامين بالسوية ، فلا يبدو على قلوبهم باد من الخوف عن مشاهدة وصف من الصفات المخوفة تكر بهم إلا طلع طالع وراء من عظيم الرجاء أشهد خلقا من الأخلاق اللطيفة تروحهم ولا يطرأ على قلوبهم طارئ من الخوف ، يهربون منه إلا بدا عليهم باد من الرجاء يأنسون به إليه فتعتدل صفاتهم وتستوي مقاماتهم عن معاينة معنى من معاني صفاته لاستواء كمال ذاته فتكون قلوبهم كلسان الميزان بين الخوف والرجاء ، وتكون كالطائر مقوّما بين جناحيه عن شهود وصف وخلق اقتضاء ظهور البلاء والنعماء ، فيحمل الخوف الرجاء ، ويستولي بالرجاء على الخوف ويفيضان معا في سعة القلب وقوّته ، فيغيبان فيه لأنه قوي بقوي ووسع بواسع وقادر بمقتدر . وينفرد الهمّ عن المعنيين فيقف بمشاهدة منفرد فيحكم عليه ما به أفرد . ومن هذا قول النبي صلَّى الله عليه وسلم : بك أحول وبك أقول وبك أصول ، ومن ذلك قوله في علوّ شهادته ونفاذ علمه من كونه بشاهده أعوذ بك منك ، ومثله قوله : ألا كل شيء ما خلا الله باطل فهذا نطق عن وجد في مقام البقاء بعد . فقد حال الفناء هنالك سمع قول الباقي المغني : * ( كُلُّ من عَلَيْها فانٍ ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ) * [ الرحمن : 26 - 27 ] . ومن ذلك الأثر المشهور عن الله سبحانه وتعالى : لم تسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن الشاكر اللين الوادع ، ولا يصلح تفصيل ما أجملناه ولا شرح ما رمزناه . وقال بعض علماء السلف : ما ألبس المؤمن لبسة أحسن من سكينة في خشوع وذلَّة في خضوع فهذا حالان من الخوف ، وهي لبسة الأنبياء وسيما علماء الأولياء . وقال لقمان لابنه : يا بني خف الله تعالى خوفا لا تيأس فيه من رحمته وارجه رجاء لا تأمن فيه مكره . ثم فسّره مجملا فقال المؤمن : كذي قلبين ، يخاف بأحدهما ويرجو بالآخر . ومعنى لك أن المؤمن ذو وصفين عن مشاهدتين لأن المؤمن الأوّل والشاهد الأعلى ذو وصف مخوف مثل البطش والسطوة والعزة والنقمة . فإذا شهد العبد ما آمن به من هذه الصفات خاف إذا عرفه بها وتجلَّى له بشاهدها
423
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 423