نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 422
على أن هذين المقامين من الخوف ، ليس فيهما علم ولا مشاهدة على الكشف ، وإنما هو قوة وجد تصطلم مرارته فتوجد إتلاف النفس ، ومحو العقل من عبد بمنزلة خوف الكروبيين خاصة من الأملاك أهل الكرب والتمكن ، لأنهم لا ينقلون في المقامات التي يعدلون بها كمقربي الروحانيين . وبلغني أن منهم جيلا يخرج كل يوم من تحت العرش بعدد البشر ، قد أقلقه الشوق وحقره الكرب ، يريد النظر إلى وجه العلىّ الأعلى فيحرقهم شعاع سبحات وجهه الكريم سبحانه وتعالى ، فيحترقون احتراق الفراش في المصباح ، ثم يعود مثلهم من الغد ، فهذا دأبهم إلى يوم القيامة ، كل ملك لو جمع السماوات والأرضين في كفة غابت في قبضته . ولعمري إن سائر الملائكة لا ينقلون في المقامات كالمؤمنين ، بل لكل ملك مقام معلوم لا ينتقل منه إلى غيره ، إنما يمدون من ذلك المقام بمدد لا نهاية له إلى يوم القيامة بأكثر ما يزاد جميع البشر ، ولكن أولئك يحمل خوفهم قواهم ، ويثبت بمشاهدة وصف المخوف خوفهم وصفاتهم ، فلا يئودهم ولا يقتلهم ، لأنهم يمدون بالقوي ، ويعصمون من الموت ، بحفظ آجالهم إلى وقتها في الآخر ، على أن منهم من يطيش عقله ويتوله قلبه ومنهم من يصبح في تيهه . ومنهم من يتيه فلا يرد وجهه شيء إلى يوم القيامة ، ومنهم من يفزع الفزعة فلا يرتد إليه طرفه ، ولا يرجع إليه عقله إلى يوم الحشر . ومنهم من يصعق صعقة فلا يزال في صرخة واحدة إلى نفخ الصور ، وكثير منهم يصعقون عند سماع الكلام من الملك الجبار * ( حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ) * [ سبأ : 23 ] سألوا الروحانيين من المقربين ذوي الحجب القريبة والرتب العلية ، منهم جبريل وإسرافيل وميكائيل * ( ما ذا قالَ رَبُّكُمْ ) * فهؤلاء الحاضرون من الناظرين والمتمكنون من الشاهدين حجبة القدس أولو المحبة والأنس . قالوا : الحق وهو العليّ الكبير . فمثل هؤلاء الخائفين مثل المخلصين من المؤمنين الذين قال الله : * ( أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ) * [ الصافات : 41 ] ومثل الأقوياء من العالمين أولي البصائر والتمكين مثل الصابرين الذين يؤتون أجرهم بغير حساب وهم علماء الموقنين ينقلون في مقامات اليقين بمقتضى أحكامها من مقام خوف إلى مقام رجاء مثله ، فإذا عملوا في هذه المقامات بما يقتضيهم رفعوا إلى ما فوقها من مقام رجاء إلى مقام رجاء ، هو خير منه ، ومن حال خوف إلى حال خوف أشرف منه . ثم ينتقلون من مقامات الإشفاق إلى حال الاشتياق ومن أحوال الوجل والاحتراق إلى مقام التملَّق والطمأنينة ، ومن حال الفزع إلى مقام الأنس ومن الإبعاد والوحشة والتهويل إلى الرضا والمحبة والتأميل . فهذا مكن فضلهم على من وقف في مقامه لم يجاوزه من العموم . ومن استتر بحاله وقام في ظلّ
422
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 422