نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 406
فعند الخائفين في علمهم أن الله تعالى قد أخرج طائفة من الصالحين نكالا خوف بهم المؤمنين ، ونكل طائفة من الشهداء خوف بهم الصالحين ، وأخرج جماعة من الصديقين خوف بهم الشهداء ، والله تعالى أعلم بما وراء ذلك . وقد أخرج جماعة من الملائكة وعظ بهم النبيين ، وخوف بهم الملائكة المقربين ، فصار من أهل كل مقام عبرة لمن دونهم وموعظة لمن فوقهم ، وتخويف وتهديد لأولي الأبصار ، وهذا داخل في بعض تفسير قوله عزّ وجلّ : * ( آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها ) * [ الأعراف : 175 ] قال بعض أهل التفسير في أخبار بلعم بن باعوراء : إنه أوتي النبوة ، والمشهور أنه أوتي الاسم الأكبر ، فكان سبب هلاكه ، وهو مقتضى وصف من أوصافه ، وهو ترك المبالاة بما أظهر من العلوم والأعمال ، فلم يسكن عند ذلك أحد من أهل المقامات في مقام ، ولا نظر أحد من أهل الأحوال إلى حال ، ولا أمن مكر الله تعالى عالم به في كل حال ، كيف وقد سمعوه تبارك وتعالى يقول : * ( إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ) * [ المعارج : 28 ] فأجهل الناس من أمن غير مأمون ، وأعلمهم من خاف في الأمن حتى يخرج من دار الخوف إلى مقام أمين . وهذا خوف لا يقوم له شيء ، وكرب لا يوازيه مقام ولا عمل ، لو لا أن الله تعالى عدله بالرجاء لأخرج إلى القنوط ، ولو لا أنه روحه بروح الأنس بحسن الظن لأدخل في الإياس ، ولكن إذا كان هو المعدل وهو المروح كيف لا يعتدل الخوف والرجاء ، ولا يمتزج الكرب بالروح والرضا ، حكمة بالغة ، وحكم نافذ ، لعلم سابق ، وقدر جار ، ما شاء الله تعالى لا قوّة إلا باللَّه . وفي شهود ما ذكرناه علم عن مشاهدة توحيد لمن أشهده ، فأقل ما يفيد علم هذا الخائفين ترك النظر إلى أعمالهم ورفع السكون إلى علومهم وصدق الافتقار في كل حال ودوام الانقطاع بكل همّ والإزراء على النفس في كل وصف ، وهذه مقامات لقوم ، فيكون هذا الخوف سبب نجاتهم من هذه الوقائع إذ قد جعل الله تعالى التخويف أمنة من الأخذ بالمفاجأة وسببا للرأفة والرحمة لمن ألبسه إياه ، وهو أحد الوجهين وفي قوله تعالى : * ( أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ الله بِهِمُ الأَرْضَ ) * [ النحل : 45 ] الآية . ثم قال تعالى : * ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) * [ النحل : 47 ] وليس يصلح أيضا أن نكشف سرّ المخاوف من الخاتمة والسابقة لأن ذلك يكون عن حقائق معاني الصفات التي ظهرت عن حقيقة الذات فأظهرت بدائع الأفعال وغرائب
406
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 406