responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 404


وأما سورة التكوير ففيها خواتم المصير وهي صفة القيامة لمن أيقن وفيها تجلَّي معاني الغضب لمن عاين آخر ذلك ، « وإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ » هذا فصل الخطاب أي عند تسعير النيران واقتراب الجنان . حينئذ يتبين للنفس ما أحضرت من شرّ يصلح له الجحيم أو خير يصلح له النعيم وتعلم إذ ذاك من أيّ أهل الدارين تكون وفي أيّ منزلين تحلّ . فكم من قلوب قد تقطَّعت حسرات على الأبعاد من الجنان بعد اقترابها وكم من نفوس تصاعدت زفرات عن يقينها بمعاينة النيران أنها تصيبها . وكم من أبصار ذليلة خاشعة لمشاهدة الأهوال . وكم من عقول طائشة لمعاينة الزلزال .
وحدثنا عن أبي سهل رحمه الله تعالى قال : رأيت كأني أدخلت الجنة فلقيت فيها ثلاثمائة نبي ، فسألتهم ما أخوف ما كنتم تخافون في الدنيا ؟ فقالوا لي : سوء الخاتمة ، فالخاتمة هي من مكر الله تعالى الذي لا يوصف ، ولا يفطن له ولا عليه يوقف ، ولا نهاية لمكره ، لأن مشيئته وأحكامه لا غاية لها .
ومن ذلك الخبر المشهور أن النبي صلَّى الله عليه وسلم وجبريل بكيا خوفا من الله تعالى . فأوحى الله إليهما لم تبكيان وقد أمنتكما ؟ فقالا : ومن يأمن مكرك ؟ فلو لا أنهما علما أن مكره لا نهاية له ، لأن حكمه لا غاية له ، لم يقولا « و من يأمن مكرك » مع قوله : « قد أمنتكما » ولكان قد انتهى مكره بقوله ، ولكانا قد وقفا على آخر مكره ، ولكن خافا من بقية المكر الذي هو غيب عنهما ، وعلما أنهما لا يقفان على غيب الله تعالى ، إذ هو علام الغيوب ، فلا نهاية للعلام في علم ، ولا غاية للغيوب بوصف ، فلم يحكم عليهما القول لعنايته بهما وفضل نظره إليهما ، ولأنهما على مزيد من معرفة الصفات ، إذ المكر عن الوصف وإظهار القول لا يقضي على باطن الوصف ، فكأنهما خافا أن يكون قوله تعالى : « قد أمنتكما مكري » مكرا منه أيضا بالقول على وصف مخصوص عن حكمة قد استأثر بعلمها يختبر بذلك حالهما ، وينظر كيف يعملان تعبدا منه لهما به ، إذ الابتلاء وصفه من قبل أن المبتلى اسمه فلا يترك مقتضى وصفه لتحقق اسمه ، ولا تبدل سنته التي قد خلت في عباده ، كما اختبر خليله عليه السلام لما هوى به المنجنيق في الهواء . فقال « حسبي الله ربي » فعارضه جبريل عليه السلام فقال أ لك حاجة ؟ قال لا ، وفاء بقوله « حسبي الله » فصدق القول بالعمل فقال الله تعالى : * ( وإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) * [ النجم : 37 ] بقوله « حسبي الله » ولأن الله تعالى لا يدخل تحت الأحكام ، ولا يلزمه ما حكم به على الأنام ، ولا يختبر صدقه سبحانه وتعالى ، ولا يجوز أن يوصف بضد الصدق وأن بدل الكلم هو بتبديل منه ، لأن كلامه قائم به ، فله أن يبدل به ما شاء ، وهو الصادقين في الكلامين ، العادل في الحكمين ،

404

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 404
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست