نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 399
المزيد يستبين أحكام ذلك في معنيين ، هما جملة العبد إن يحفظ رأسه وما حواه من السمع والبصر واللسان وأن يحفظ بطنه وما وعاه وهو القلب والفرج واليد والرجل : وهذا خوف العموم ، وهو أول الحياء . فأما خوف الخصوص فهو أن لا يجمع ما لا يأكل ولا يبني ما لا يسكن ، ولا يكاثر فيما عنه ينتقل ولا يغفل ولا يفرط عمّا إليه يرتحل . وهذا هو الزهد وهو حياء مزيد أهل الحياء من تقوى أصحاب اليمين ، وقد روينا معنى ما ذكرناه في حديثين ، أحدهما عام والآخر خاص . وكل من لم يستعمل قلبه في بدايته ، ويجعل الخوف حشو إرادته لم ينجب في خاتمته ، ولم يكن إماما للمتقين عند علوّ معرفته . وأعلى الخوف أن يكون قلبه معلقا بخوف الخاتمة ، لا يسكن إلى علم ولا عمل ، ولا يقطع على النجاة بشيء من العلوم وإن علت ، ولا لسبب من أعماله وإن جلت ، لعدم علمه تحقيق الخواتم ، فقد قيل : إنما يوزن من الأعمال خواتمها . وعن النبي صلَّى الله عليه وسلم : « إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة خمسين سنة حتى يقال إنه من أهل الجنة » . وفي خبر : « حتى ما يبقى بينه وبين الجنة إلا شبر . ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار » ولا يتأتى في هذا المقدار من الوقت شيء من عمل الجسم بالجوارح ، إنما هو من أعمال القلوب بمشاهدة العقول ، وهو شرك التوحيد الذي لم يكن متحققا به ، وشكّ في اليقين الذي لم يكن في الحياة الدنيا مشاهدا له . فظهر له بيان ذلك عند كشف الغطاء ، فغلب عليه وصفه وبدت فيه حاله كما يظهر له أعماله السيئة فيستحليها قلبه أو ينطق بها لسانه أو يخامرها وجده ، فتكون هي خاتمته التي تخرج عليها روحه ، وذلك في سابقته التي سبقت له من الكتاب كما قال تعالى : * ( أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ من الْكِتابِ ) * [ الأعراف : 37 ] تكون عند مفارقة الروح من الجسد * ( وإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ ) * [ هود : 109 ] . وقد جاء في خبر « حتى لا يبقى بينه وبين الجنة إلا فواق ناقة ، فيختم له بعمل أهل النار » ، وهذا يكون عند بلوغ الروح التراقي ، وتكون النفس قد خرجت من جميع الجسد ، واجتمعت في القلب إلى الحلقوم فهذا هو شبر . وفواق ناقة : هو ما بين الحلبتين . وقيل : هو شوط من عدوها بين سيرين ، وهذا من تقلَّبات القلوب عند حقيقة وجهة التوحيد إلى وجهة الضلال والشرك عند ما يبدو له من زوال عقل الدنيا ، وذهاب علم المعقول فيبدو له من الله ما لم يكن يحتسب .
399
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 399