نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 389
فلا يهلك على الله تعالى إلا هالك . وقد قال بعض العلماء : إن الله تعالى إذا غفر لعبد في موقف القيامة ذنبا غفر ذلك الذنب لكل من عمله . وقال النبي صلَّى الله عليه وسلم : اعملوا وأبشروا واعلموا أن أحدا لن ينجّيه عمله . وفي الحديث الآخر : ما منكم من أحد يدخله عمله الجنة ولا ينجّيه من النار . قالوا : ولا أنت يا رسول الله . قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمة وفضل . وروي عنه صلَّى الله عليه وسلم : إني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي . وفي لفظ آخر أ ترونها للمصفين المتقين بل هي للمخلصين المتلوّثين وقال صلَّى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما ، وقد بعثهما واليين على اليمن فأوصاهما فيما أمرهما به فقال يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفّرا . فعلم المؤمنين بكرم الله تعالى وخفيّ لطفه ، ولطيف منه لا يقعدهم عن تأميله ، ولا يقصر بهم عن رجاءه ، ولا حسن ظنّهم به ، ولا يقوى الخوف فيخرجهم إلى الأياس من رحمته ، لأجل علمهم بجبريته وكبريائه ، من قبل أن المهوب هو المحبوب فمحبته تؤنسهم وترجيهم ، وهيبته تزعجهم وتخيفهم فخوفهم في المهابة في لذاذة ونعيمهم بالحبّ في مهابة فهم في مقام الخوف والمحبة معتدلون ، وبقوّة العلم بهما متمكنون ، وفي مشاهدة المخوف والمحبوب مستقيمون ، وهذا المقام هو وصف العارفين من الموقنين ، وهم أهل كمال الإيمان وصفوة خصوص ذوي الإيقان إذ قد عرفوا أن الله تبارك وتعالى كامل في صفاته لا يعتريه نقصان في وصف دون وصف وإنما الرحمة لسعة العلم ، كما العلم لسعة القدرة لما شهدوا من وصفه بما سمعوا من كلامه أنه كان عليما قديرا . كذلك قال تعالى : * ( وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْماً ) * [ غافر : 7 ] وكذلك فهموا من قوله تعالى : * ( ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) * [ الأعراف : 156 ] فدخلت جهنم وغيرها في توسعة الرحمة من حيث كنّ شيئا وقوله عزّ وجلّ : * ( فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) * [ الإسراء : 44 ] معناه خصوص الرحمة ، وصفها لا كنهها ، إذ لا نهاية للرحمة ، لأنها صفة الراحم الذي لا حدّ له ، ولأنه لم يخرج من رحمته شيء كما لم يخرج من حكمته وقدرته شيء ، لأن جهنم والنار الكبرى وغيرهما ليس كنه عذابه ولا كلية تعذيبه . فمن ظنّ ذلك به لم يعرفه ، ولأنه لما أظهر من عذابه مقدار طاقة الخلق كما أنه أظهر من ملكه ونعمه مقدار مصالح الخلق وما لا يصلح للخلق ، ولا يطيقون إظهاره أكثر مما أظهر من النعيم والعذاب ، بل لا ينبغي لهم أن يعرفوا فوق ما أبدى لأن نهاية تعذيبه وتنعيمه من نهاية ملكه الذي هو قائم به وملكه عن غاية قدرته وسلطانه ، ولا نهاية لذلك ، ولا يطيق الخلق كلَّه إظهار ذلك . وذلك أيضا عن تعالي صفاته وبهاء أسمائه المتناهيات ، ولا سبيل إلى كشف ذلك من
389
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 389