نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 388
وكانت ليلة مطيرة مظلمة فوقفت في الملتزم عند الباب فقلت : يا ربّ اعصمني حتى لا أعصيك أبدا ، فهتف بي هاتف من البيت : يا إبراهيم أنت تسألني العصمة وكل عبادي المؤمنين يطلبون ذلك . فإذا عصمتهم فعلى من أتفضّل ولمن أغفر ؟ وكان الحسن البصري رضي الله عنه يقول : لو لم يذنب المؤمن لكان يطير طيرا ولكن الله تعالى قمعه بالذنوب . وفي الخبر مثله : لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو شرّ من الذنوب ، قيل : وما هو ؟ قال : العجب . ولعمري أن العجب من صفات النفس المتكبرة ، وهو يحبط الأعمال ، وهو من كبائر أعمال القلوب والذنوب من أخلاق النفس الشهوانية ، ولأن يبتلي العبد الشهواني بعشر شهوات من شهوات النفس خير له من أن يبتلي بصفة من صفات النفس مثل الكبر ، والعجب ، والبغي ، والحسد ، وحبّ المدح ، وطلب الذكر ، لأن هذه منها ، معاني صفات الربوبية ، ومنها أخلاق الأباسلة ، وبها هلك إبليس ، وشهوات النفس من وصف الخلقة وبها عصى أدم ربه فاجتباه بعدها وتاب عليه وهدى . وقد قال بشر بن الحرث : سكون النفس إلى المدح أضرّ عليها من العاصي . ورأى يوسف بن الحسين مخنثا فأعرض عنه إزراء عليه ، فالتفت إليه المخنث وقال : وأنت أيضا يكفيك ما بك ففزع من قوله . فقال : وأي شيء تعلم ؟ قال : لأن عندك أنك خير مني . فاعترف يوسف بقوله . فتاب واستغفر وكان بعض الراجين من العارفين إذا تلا هذه الآية ، آية الدين التي في سورة البقرة ، يسرّ بذلك ويستبشر لها ويعظم رجاؤه عندها ، فقيل له في ذلك : فقال : إن الدنيا كلَّها قليل ورزق الإنسان فيها قليل من قليل وهذا الدين من رزقه قليل . ثم إن الله تبارك وتعالى احتاط في ذلك ورفق النظر لي بأن وكد ديني بالشهود والكتاب وأنزل فيه أطول آية في كتابه ، ولو فاتني ذلك لم أبال به فكيف يكون فعله بي في الآخرة التي لا عوض لي من نفسي فيها . وكذلك كان بعض الراجين يفهم من قوله تعالى إذا تلا : * ( وبَدا لَهُمْ من الله ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) * [ الزمر : 47 ] يرجو من ذلك بوادي الجود والإحسان مما لم يحسبه في الدنيا قطَّ . وقد كان الجنيد رحمه الله يقول : إن بدت عين من الكرم ألحقت المسيئين بالمحسنين . وعلى ذلك جاء في الخبر : ليغفرنّ الله تعالى يوم القيامة مغفرة ما خطرت قطَّ على قلب أحد حتى أن إبليس يتطاول رجاء أن تصيبه . وفي الخبر : إن لله تعالى تسعا وتسعين رحمة أظهر منها في الدنيا رحمة واحدة بها يتراحم الخلائق فتحنّ الوالدة إلى ولدها وتعطف البهيمة على ولدها ، فإذا كان يوم القيامة ضمّ هذه الرحمة إلى تلك التسعة والتسعين ، ثم بسطها على جميع خلقه وكل رحمة منها طباق السماوات والأرضين . قال :
388
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 388