نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 385
سبيل الله تعالى ، ثم السجود آناء الليل ، والقيام والحذر مع ذلك كله ، فهذه جملة صفات الراجين ، وهو أوّل أحوال الموقنين ثم تتزايد الأعمال في ذلك ظاهرا وباطنا بالجوارح والقلوب عن تزايد الأنوار والعلوم ومكاشفات الغيوب بالأوصاف الموجودة وفصل الخطاب . إن الخوف والرجاء طريقان إلى مقامين ، فالخوف طريق العلماء إلى مقام العلم ، والرجاء طريق العمال إلى مقام العاملين . وقد وصف الله عزّ وجلّ الراجين مع الأعمال الصالحة لقوة رجائهم بالخوف ، تكملة لصدق الرجاء وتتمة لعظيم الغبطة به . فقال تعالى وتقدّس : * ( والَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) * [ المؤمنون : 60 ] وقال عزّ وجلّ مخبرا عنهم في حال وفائهم وأعمال برّهم : * ( إِنَّا كُنَّا قَبْلُ في أَهْلِنا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ الله عَلَيْنا ) * [ الطور : 26 - 27 ] وقال عزّ وجلّ : * ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ويَخافُونَ يَوْماً ) * [ الإنسان : 7 ] من قبل أن الخوف مرتبط بالرجاء . فمن تحقق بالرجاء صارعه الخوف أن يقطع به دون ما رجا . وقال أهل العربية في معنى قوله تعالى : * ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ الله ) * [ الجاثية : 14 ] أي للذين لا يخافون عقوبات الله تعالى . فإذا كان هذا أمره بالمغفرة لمن لا يرجو فكيف يكون غفره وفضله على من يرجو . وبعضهم يقول في معنى قوله تعالى : * ( وتَرْجُونَ من الله ما لا يَرْجُونَ ) * [ النساء : 104 ] أي تخافون منه ما لا يخافون ، فلو لا أنهما عند العلماء كشيء واحد ما فسّر أحدهما بالآخر . ومن الرجاء الأنس باللَّه تعالى في الخلوات ، ومن الأنس به الأنس بالعلماء والتقرّب من الأولياء ، وارتفاع الوحشة بمجالسة أهل الخير ، وسعة الصدر والروح عندهم . ومن الرجاء سقوط ثقل المعاونة على البرّ والتقوى ، لوجود حلاوة الأعمال والمسارعة إليها ، والحثّ لأهلها عليها والحزن على فوتها والفرح بدركها . ومن ذلك الخبر المأثور من سرّته حسنته وساءته سيئته ، فهو مؤمن . والخبر المأثور : خيار أمتي الذين إذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساؤا استغفروا لأن المؤمن على يقين من أمره وبصيرة من دينه . والخوف والرجاء وصف الموقن باللَّه تعالى فهو إذا عمل حسنة ، أيقن بثوابها لصدق الوعد وكرم الموعد ، وإذا عمل سيئة أيقن بالكراهة لها ، وخاف المقت عليها لخوف الوعيد وعظمة المتوعد من قبل أن دخوله في الطاعة ، دخول في محبة الله تعالى ومرضاته لما دلّ العلم عليه ، فهذا رضا الله سبحانه وتعالى في الدنيا ، فكيف لا يسرّه رضاه ومن قبل أن دخوله في المعصية دخول في غضب الله تعالى ومكارهه ، بما دلّ العلم عليه فذلك الذي يسوءه لأن مقت الله تعالى اليوم معاصيه وسخطه غدا تعذيبه . ومن هذا قول الله عزّ وجلّ وهو أصدق القائلين : * ( يُنادَوْنَ لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ من مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) * [ غافر : 10 ] قال : لما نظروا إلى أنفسهم بتشويه خلقهم في النار مقتوها فنودوا
385
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 385