نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 384
الذي أصبته كان من قبل نفسي أو من شيء سبق في علمك قبل أن تخلقني قضيته عليّ ، فقال : بل شيء سبق في علمي كتبته عليك ، قال : يا ربّ فكما قضيته عليّ فاغفر لي . قال : فهي الكلمات التي لقاه الله تعالى إياها . وروينا عن النبي صلَّى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى للعبد يوم القيامة : ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره ؟ قال : فإن لقن الله تعالى العبد حجته قال : يا ربّ رجوتك وخفت الناس ، قال : لقد غفرت له . وفي الخبر المشهور : أن رجلا كان يداين الناس فيسمح لهم ويتجاوز عن المعسر فلقي الله تعالى ولم يعمل خيرا قط ، فقال الله تعالى سبحانه وتعالى : نحن أحقّ بذلك منك قال : فغفر له برجائه وظنه . ثم يتفاوت الراجون في فضائل الرجاء ، فالمقرّبون منهم رجوا النصيب الأعلى من القرب والمجالسة والتجلَّي بمعاني الصفات مما عرفوه ، وهذا عن علمهم به وأصحاب اليمين من الراجين رجوا النصيب الأوفر من مزيده والفضل الأجزل من عطائه يقينا بما وعد . ومن الرجاء : انشراح الصدر بأعمال البرّ وسرعة السبق والمبادرة بها خوف فوتها ورجاء قبولها ، ثم مهاجرة السوء ومجاهدة النفس رجاء انتجاز الموعود وتقرّبا إلى الرحيم الودود . ومنه قول أصدق القائلين : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هاجَرُوا وجاهَدُوا في سَبِيلِ الله أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله ) * [ البقرة : 218 ] وفسّر رسول الله صلَّى الله عليه وسلم المهاجرة والمجاهدة فقال المهاجر : من هجر السوء ، والمجاهد : من جاهد نفسه في الله تعالى ، وأقام الصلاة التي هي خدمة المعبود ، وبذل المال سرّا وعلانية وقليلا وكثيرا ، وأن لا يشتغل عن ذلك بتجارة الدنيا . كما وصف الله سبحانه وتعالى المحقّقين من الراجين إذ يقول عزّ من قائل : * ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ الله وأَقامُوا الصَّلاةَ وأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ ) * [ فاطر : 29 ] . ومن الرجاء القنوت في ساعات الليل ، وهو طول القيام للتهجّد ، والدعاء عند تجافي الجنوب عن المضاجع لما وقر في القلوب من المخاوف . ولذلك وصف الله الراجين بهذا في قوله تعالى : * ( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وقائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ ويَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) * [ الزمر : 9 ] فسمّى أهل الرجاء والحذر وأهل التهجّد آناء الليل علماء ، وحصل من دليل الكلام : أن من لم يخف ولم يرج غير عالم لنفيه المساواة بينهما ، وهذا ممّا يحذف خبره اكتفاء بأحد وصفيه إذ في الكلام دليل عليه فالرجاء هو أوّل مقام من اليقين عند المقرّبين وهو ظاهر أوصاف الصدّيقين ، ولا يكمل في قلب عبد ، ولا يتحقّق به صاحبه حتى يجتمع فيه هذه الأوصاف ، الإيمان باللَّه تعالى ، والمهاجرة إليه سبحانه وتعالى ، والمجاهدة فيه وتلاوة القرآن . وإقامة الصلاة ، والإنفاق في
384
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 384