نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 365
سر الغيب ، وصلاح العبيد ، واستقامة الدنيا والدين . ولو ظهرت لهم لكانت خطاياهم الصغائر كبائر مع معاينة الآيات . ولما ضوعفت لهم على أعمالهم الحسنات كمضاعفتها الآن للإيمان بالغيب . والنعمة الثالثة تغيّب الآجال عنهم إذ لو علموا بها لما كانوا يزدادون ولا ينقصون من أعمالهم الخير والشرّ ذرّة ، فكان مع علمهم بالأجل أشد مطالبة لهم وأوقع للحجة عليهم فأخفى ذلك عنهم معذرة لهم من حيث لا يعلمون ، ولطفا بهم ونظرا لهم من حيث لا يحتسبون . ثم بعد ذلك من لطائف النعم شمول ستره لهم فيحجب بعضهم من بعض ، وسترهم عند العلماء والصالحين . ولو لا ذلك لما نظروا إليهم . ثم حجب الصالحين والأولياء عنهم ، ولو أظهر عليهم آيات يعرفون بها حتى يكون الجاهلون على يقين من ولاية الله تعالى لهم وقربهم منه لبطل ثواب المحسنين إليهم ولحرم قبول عملهم ولحبطت أعمال المسيئين إليهم . ففي حجب ذلك وستره ما علم العاملون لهم في الخير والشرّ على الرجاء وحسن الظن بالغيب من وراء حجاب اليقين ، وتأخرت عقوبات المؤذيين لهم عن المعاجلة لما ستر عليهم من عظيم شأنهم عند الله تعالى وجليل قدرهم . ففي ستر هذا نعم عظيمة على الصالحين في نفوسهم من سلامة دينهم وقلة فتنتهم ونعم جليلة عن المنتهكين لحرمتهم ، المصغرين لشعائر الله تعالى من أجلهم ، إذ كانوا أساؤا إليهم من وراء حجاب ، فهذا هو لطف خفيّ من لطف المنعم الوهّاب سبحانه وتعالى . كما جاء في الخبر : يقول الله عزّ وجلّ : من آذى وليّا من أوليائي فقد بارزني بالمحاربة ، ثم أنا الثائر لوليّ لا أكلّ نصرته إلى غيري . وعن جعفر الصادق رضي الله عنه في معنى هذه النعم التي أوجبنا الشكر في إخفائها قال : إن الله تعالى خبأ ثلاثا في ثلاث ، رضاه في طاعته ، فلا تحتقروا منها شيئا لعلّ رضاه فيه ، وخبأ غضبه في معاصيه ، فلا تحتقروا منها شيئا لعلّ غضبه فيه ، وخبأ ولايته في عباده المؤمنين ، فلا تحتقروا منهم أحدا لعلَّه وليّ الله تعالى . ويكون مثل ذلك مثل من آذى نبيّا وهو لا يعلم بنوّته وإن الله تعالى نبأه قبل أن يخبره أنه نبيّ الله عزّ وجلّ ورسوله إليه فلا يكون وزره وزر من انتهك حرمة نبي قد أعلمه أنه نبيّ الله تعالى لعظيم حرمة النبوّة . وللشاكرين طريقان : أحدهما أعلى من الآخر أوّلهما شكر الراجين وهو حسن المعاملة لما أملوه ورجوه من ظواهر النعم فعملوا رجاء إتمامها فكان حالهم المسارعة والمسابقة إلى الأعمال الصالحة شكرا لما ابتدأهم به وخصّهم دون سائر خلقه ، وأعلاهما شكر الخائفين وهو خوف سوء الخاتمة والإشقاق من درك الشقاء بحكم السابقة نعوذ باللَّه تعالى منه فكان خوفهم دليلا على اغتباطهم بموهبة الإيمان ، وكان اغتباطهم يدل على
365
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 365