نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 364
مشاهدتين : أعلاهما مقام شكور وهو الذي يشكر على المكاره والبلاء والشدائد واللأواء ، ولا يكون كذلك حتى يشهد ذلك نعما توجب عليه الشكر بصدق يقينه وحقيقة زهده وهذا مقام في الرضا وحال من المحبة . وبهذا الوصف ذكر الله تعالى نبيّه نوحا عليه السلام في قوله تعالى : * ( إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ) * [ الإسراء : 3 ] في التفسير أنه كان يشكر الله تعالى على كل حال من خير أو شر أو نفع أو ضرّ . وروينا في الخبر : ينادي مناد يوم القيامة ليقم الحمادون فيقوم زمرة فينصب لهم لواء فيدخلون الجنة قيل : ومن الحمادون ؟ قال : الذين يشكرون الله تعالى على كل حال . وفي لفظ آخر : على السرّاء والضرّاء . وقد قال بعض العلماء في قوله تعالى : * ( وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً ) * [ لقمان : 20 ] . قال : ظاهرة العوافي والغنى وباطنه البلوى والفقر فهذه نعم الآخرة . كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : لا عيش إلا عيش الآخرة . والمقام الثاني من الشكر أن ينظر العبد إلى من هو دونه ممّن فضل هو عليه في أمور الدنيا وأحوال الدين فيعظَّم نعمة الله تعالى عليه بسلامة قلبه ودينه وعافيته مما ابتلى الآخر به ويعظَّم نعمة الدنيا عليه لما آتاه الله تعالى وكفاه فيما أحوج الآخر وألجأه إليه فيشكر على ذلك ثم ينظر إلى من هو فوقه في الدين ممن فضل عليها بعلم الإيمان وبحسن يقين فيمقت نفسه ويزري عليه وينافس في مثل ما رأى من أحوال من هو فوقه ويرغب فيها . فإذا كان كذلك كان من الشاكرين ودخل تحت اسم الممدوحين . وقد روينا معنى ذلك في حديث عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : أنه قال من نظر في الدنيا إلى من هو دونه ونظر في الدين إلى من هو فوقه كتبه الله صابرا شاكرا ومن نظر في الدنيا إلى من هو فوقه ونظر في الدين إلى من هو دونه لم يكتبه الله صابرا ولا شاكرا . وقد شرحنا هذا في مقام الرضا ، فكرهنا إعادته هاهنا ، وكل وصف يكون العبد شاكرا به ، يكون الشكر مقاما له فيه ، فإن كفر النعمة يلزمه بضده لأن الكفر ضد الشكر . ومن كبائر النعم ثلاث من جهلها أضاع الشكر عليها ومعرفتها شكر العارفين ، أولها استتار الله تعالى بقدرته وعزته عن الأبصار ولو ظهر للعباد لكانت معاصيهم كفرا لأنهم لم يكونوا ينقصون من المعاصي المكتوبة عليهم جناح بعوضة ولأنه تبارك وتعالى كان يظهر بوصف لا يمتنعون معه عن المعاصي . ووراء هذا سرائر الغيوب ، إلا أنهم كانوا يكفرون بالمواجهة لانتهاك حرمة المشاهدة أيضا لما كان لهم في الإيمان به من عظيم الدرجات ما لهم الآن لأنهم حينئذ يؤمنون بالشهادة وهم اليوم يؤمنون بالغيب ، فرفعت لهم الدرجات بحسن اليقين ، ولذلك مدحهم الله تعالى ووصفهم . والنعمة الثانية إخفاء القدر والآيات عن عموم الخلق لأنها من
364
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 364