نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 357
إلى مقامهم فضمه إليهم وجعله سلوة له ثم ذكره إياه وذكره به . ثم قال تعالى : * ( عَبْدَنا ) * [ ص : 41 ] فأضافه إليه عزّ وجلّ إضافة تخصيص وتقريب ولم يدخل بينه وبينه لام الملك فيقول عبدا لنا فألحقه بنظرائه من أهل البلاء في قوله تعالى : * ( واذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ ) * [ ص : 45 ] وهم أهل الابتلاء الذين باهى بهم الأنبياء وجعل من ذرياتهم الأصفياء فأضاف أيوب إليهم في حسن الثناء . وفي لفظ التذكرة به في الثناء ثم قال : * ( إِذْ نادى رَبَّهُ ) * [ مريم : 3 ] فأفرده بنفسه لنفسه وانفرد له في الخطاب بوصفه وقال : * ( مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) * [ الأنبياء : 83 ] فوصفه بمواجهة التملق له ولطيف المناجاة وظهر له بوصفه الرحمة فاستراح إليه به فناداه فشكا إليه واستغاث به فأشبه مقامه . مقام موسى ويونس عليهما السلام في قولهما : سبحانك تبت إليك . وفي قول الآخر : لا إله إلا أنت . سبحانك إني كنت من الظالمين . وهذا خطاب المشاهدة ونظر المواجهة . ثم وصفه بالاستجابة له وأهله لكشف الضرّ عنه وجعل كلامه سببا لتنفيذ قدرته ومكانا لمجاري حكمته ومفتاحا لفتح إجابته . ثم قال بعد ذلك كله : ووهبنا له أهله فزاد على سليمان في الوصف إذ كان بين من وهب لأهله وبين من وهب له أهله فضل في المدح لأنه قال في وصف سليمان : ووهبنا لداود سليمان فأشبه فضل أيوب في ذلك على سليمان كفضل موسى على هارون لأنه قال عزّ وجلّ في مدح موسى عليه السلام وتفضيله على هارون : * ( ووَهَبْنا لَهُ من رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا ) * [ مريم : 53 ] . وكذلك قال في مدح داود : * ( ووَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ ) * [ ص : 30 ] فوهب لموسى أخاه كما وهب لداود ابنه وأشبه مقام أيوب في المباهاة والتذكرة به مقام داود عليه السلام لأنه قال تعالى في وصف داود لنبيّه عليه السلام : * ( اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ) * [ ص : 17 ] . وكذلك قال تعالى في نعت أيوب : * ( واذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ ) * [ ص : 41 ] . فقد شبه أيوب بداود وموسى عليهما السلام في المعنى ورفعه إليهما في المقام ، وهما في نفوسنا أفضل من سليمان عليهم السلام ، فأشبه أن يكون حال أيوب أعلى من حال سليمان . وعلم الله تعالى المقدم ولكن هكذا ألقى في قلوبنا والله أعلم . ثم قال تعالى بعد ذلك كلَّه : * ( رَحْمَةً مِنَّا ) * [ ص : 43 ] فذكر نفسه ووصفه عند عبده تشريفا له وتعظيما . ثم قال عزّ وجلّ : * ( وذِكْرى لأُولِي الأَلْبابِ ) * [ ص : 43 ] فجعله إماما للعقلاء وقدوة لأهل الصبر والبلاء وتذكرة وسلوة من الكروب للأصفياء . ثم قال تعالى : * ( إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً ) * [ ص : 44 ] فذكر نفسه سبحانه وتعالى ذكرا ثانيا لعبده ووصل اسمه باسمه حبا له وقربا منه ، لأن النون والألف في وجدنا اسمه تبارك وتعالى ، والهاء اسم عبده أيوب .
357
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 357