responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 356


الغني يصحبه فيما عليه أشياء تلائم صفته وتمتعها وتلذّها . والفقير يصحبه فيما عليه أشياء تؤلم صفته وتقبضها وتزعجها . فإذا كان الاثنان قائمين لله تعالى بشروط ما عليهما كان الذي آلم صفته وأزعجها أتم حالا ممّن متّع صفته ونعّمها . هذا نقل كلام الجنيد رحمه الله تعالى . وكان أبو العباس بن عطاء قد خالفه في ذلك فيقال : إن الجنيد دعا عليه فلحقه ما أصابه من البلاء منه ، قتل أولاده ، وإتلاف ماله ، وزوال عقله أربع عشرة سنة .
فكان يقول : دعوة الجنيد أصابتني . ورجع عن قوله في تفضيل الغنى على الفقر ، فصار يفضّل الفقر ويشرّفه . وأيضا فقد روينا في الخبر : أعرفكم بنفسه أعرفكم بما ابتلاه به منها وما ابتلاها به منه فأعظم ما ابتلانا به محبتنا بها وابتلاها بعداوتنا . فمن أفضل ممّن صبر على مجاهدة عدوّه على أنه مع ذلك عدوّ الله تعالى منازع لصفات الربوبية . ومن أشد بلاء ممّن ابتلي بعداوتك وابتليت بمحبته وأنت في ذلك تترك محبته لمحبة الله تعالى وتصبر على عداوته بدوام مجاهدته لمرضاة الله تعالى ، فهذا أعدل العدل وأفضل الفضل ولا سبيل إلى ذلك إلا بفضل أثرة من الله تعالى وحسن عنايته ودوام نظره إذ لا توفيق ولا قوّة ولا صبر إلا به سبحانه وتعالى . فأما المسألة التي سئل عنها بعض القدماء عن عبدين ابتلي أحدهما فصبر وأنعم على الآخر فشكر . فقال : كلاهما سواء قال : لأن الله تعالى أثنى على عبدين أحدهما صابر والآخر شاكر بثناء واحد . فقال تعالى في وصف أيوب عليه السلام : * ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) * [ ص : 30 ] .
وقال في وصف سليمان عليه السلام : * ( نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) * [ ص : 30 ] . ففي قول هذا رحمه الله غفلة عن لطائف الأفهام وذهاب عن حقيقة تدبّر الكلام إذ عندنا بين ثناء الله عزّ وجلّ على أيوب في الفضل على ثنائه على سليمان عليهما السلام ثلاثة عشر معنى ، وشركه سليمان عليه السلام بعد ذلك في وصفين آخرين وإفراد أيوب عليه السلام بفضل ثناء ثلاثة عشر معنى . أول ذلك قوله عزّ وجلّ في أول مدحه : * ( واذْكُرْ ) * [ ص : 41 ] فهذه كلمة مباهاة باهى بأيوب عند رسوله المصطفى عليه السلام وشرفه وفضله بقوله تعالى : * ( واذْكُرْ ) * [ ص : 41 ] يا محمد فأمره بذكره والاقتداء به كقوله تعالى : * ( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ من الرُّسُلِ ) * [ الأحقاف : 35 ] . قيل : هم أهل الشداء والبلاء منهم أيوب عليه السلام قرضوا بالمقاريض ونشروا بالمناشير وكانوا سبعين نبيا وقيل : هم إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وهؤلاء آباء الأنبياء وأفاضلهم لقوله تعالى : * ( واذْكُرْ في الْكِتابِ إِبْراهِيمَ ) * [ مريم : 41 ] ولقوله تعالى : * ( واذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي والأَبْصارِ ) * [ ص : 45 ] يعني أصحاب القوّة والتمكَّن وأهل البصائر واليقين . ثم رفع أيوب

356

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 356
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست