نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 355
الذلّ والكبر على التواضع ، وفي هذا تفضيل الراغبين والأغنياء على الزاهدين والفقراء . ويخرج ذلك إلى تفضيل أبناء الدنيا على أبناء الآخرة : وإنما فضلنا الصبر على الشكر في الجملة والمعنى ، لأن الصبر حال من مقامه البلاء . وأهل البلاء هم الأمثل فالأمثل بالأنبياء ولأن الصبر أبعد من أ هواء النفوس وأقرب إلى الضرّ والبؤس وأشدّ في مكاره النفوس وأنفر لطباعها وأشد مباينة لما يلائمها فإذا سكنت معه وجد عندها كان أعجز لوصفها وأعجب في طمأنينتها فمدحت بالسكون والطمأنينة وكانت راضية مرضية . وأيضا فإن الله تعالى أمر بالصبر وبالغ فيه بالمصابرة ووكدهما بالمرابطة في قوله تعالى : * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا ) * [ آل عمران : 200 ] . قيل : في أحد الوجوه رابطوا عليهما فهذه ثلاثة أمور في مكان واحد بمعنى الصبر . فهذا يدل على تعظيمه للصبر ومحبته تعالى فمن وجد منه ذلك كان أشد تعظيما لشعائر الله عزّ وجلّ ، ومن عظم شعائر الله فهو أتقى لله تعالى ، ومن كان أتقى لله كان أكرم على الله لقوله تعالى : * ( ومن يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله فَإِنَّها من تَقْوَى الْقُلُوبِ ) * [ الحج : 32 ] . ثم قال تعالى : * ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ ) * [ الحجرات : 13 ] . والصبر أيضا مقام أولي العزم من الرسل الذين أمر النبي صلَّى الله عليه وسلم بالقدوة بهم وباهى الله تعالى بهم عبده فقال تعالى : * ( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ من الرُّسُلِ ) * [ الأحقاف : 35 ] وأيضا فإن العزائم في الدين أولى من الرخص . روينا عن سفيان الثوري رضي الله عنه عن حبيب بن أبي ثابت قال : سئل مسلم البطين : أيما أفضل الصبر أم الشكر ؟ فقال : الصبر والشكر والعافية أحبّ إلينا . وقد قيل في معنى قوله تعالى : * ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) * [ الزمر : 18 ] قيل : شدائده وعزائمه لأن إباحة حلال الدنيا حسن والزهد فيه أحسن . وقد جعل الله تعالى الصبر من العزائم في قوله : * ( وإِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ من عَزْمِ الأُمُورِ ) * [ آل عمران : 186 ] . وقد شرك الله تعالى عباده في الشكر وأفرد عزّ وجلّ لنفسه تعالى الصبر فينبغي أن يكون المفرد للمفرد أعلى من المشترك بالعبد فقال تعالى : * ( أَنِ اشْكُرْ لِي ولِوالِدَيْكَ ) * [ لقمان : 14 ] . وقال تعالى على لسان نبيّه : من لم يشكر الناس لم يشكر الله عزّ وجلّ ولم يشرك في الصبر من خلقه أحدا . فقال تعالى : * ( ولِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) * [ المدثر : 7 ] . وقال : واصبر لحكم ربّك واعلم أن الشكر داخل في الصبر والصبر جامع للشكر ، لأن من صبر أن لا يعصي الله بنعمة فقد شكرها ومن أطاع الله فصبر نفسه على طاعته فقد شكر نعمته . وقد سئل الجنيد رحمه الله عن غني شاكر وفقير صابر أيهما أفضل ؟ فقال : ليس مدح الغني للوجود ولا مدح الفقير للعدم إنما المدح في الاثنين قيامهما بشروط ما عليهما . فشرط
355
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 355