responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 350


صبرا عند المصائب أكثرهم يقينا وأكثر الناس جزعا وسخطا في المصائب أقلَّهم يقينا .
ومثل هذا الخبر الذي رويناه عن سلمة بن وردان عن أنس بن مالك عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : من ترك المراء وهو محقّ بني له بيت في أعلى الجنة ، ومن ترك المراء وهو مبطل بني له في وسط الجنة ، ومن ترك الكذب بني له في ربض الجنة . فقد علمت أن ترك الكذب وترك المراء مبطلا أفرض وأوجب فينبغي أن يكون أفضل . ولكن المعنى فيه أن الكذب والمراء بالباطل يتركه المسلمون . فأما المراء والعبد محقّ صادق ثم لا يماري زهدا في التظاهر ورغبة في الصمت والسلامة فلا يصبر على هذا إلا الموقنون وهم خصوص المؤمنين ، فمقامه من اليقين ، والزهد وإيثار الخمول والصمت على الكلام والشهوة به أفضل وهو من اليقين فصار هذا المؤمن بمقامه أفضل من عموم المؤمنين الذين يتركون الكذب والمماراة وإن كانا أفرض وأوجب فهذا بيان ذلك معناه . ومن الصبر إخفاء أعمال البرّ ومنع النفس الفكاهة والتمتع بذكرها وإخفاء المعروف والصدقات فإن كتمه من الأدب مع السلامة في الإعلان وبرء الساحة في الإخبار ولكن إخفاؤه أفضل وأزكى وأحبّ إلى الله تعالى بل هي من كنوز البرّ أعني هذه الثلاثة إخفاء الأوجاع والمصائب والصدقة أي من الذخائر النفيسة عند تبارك وتعالى . ومن الصبر صون الفقر وإخفاؤه ، والصبر على بلاء الله تعالى في طوارق الفاقات . وهذا حال الزاهدين الراضين وأفضل الصبر : الصبر على الله تعالى بالمجالسة له والإصغاء إليه وعكوف الهمّ وقوّة الوجد به ، وهذا خصوص للمقربين أو حياء منه أو حبّا له أو تسليما أو تفويضا إليه وهو السكون تحت جريان الأقدار وشهودها من الأنعام . ومن حسن تدبير الأقسام في شهود المسألة والحكمة فيها والقصد بالابتلاء بها وهو داخل في قوله تعالى : * ( ولِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) * [ المدثر : 7 ] . وفي قوله تعالى : * ( واصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) * [ الطور : 48 ] .
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وغيره من الأئمة : أصبحت وما لي سرور إلا في مواضع القدر . وروي أيضا إلا انتظار القضاء . ويقال : من علامة اليقين تسليم القضاء بحسن الصبر والرضا ، وهو مقام العارفين . وقال سهل في تأويل قول علي رضي الله عنه : إن الله تعالى يحبّ كل عبد نومة قال : هو الساكن تحت جريان الأحكام يعني من غير كراهة ، ولا اعتراض . فأما اشتراط الصبر في المصيبة عند الصدمة الأولى في قول النبي صلَّى الله عليه وسلم : إنما الصبر عند الصدمة الأولى فلأنه يقال : إن كلّ شيء يبدو صغيرا ثم يكبر إلا المصيبة ، فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر . فاشترط لعظم الثواب لها عند أوّل كبرها قبل صغرها وهي في صدمة القلب أوّل ما يبغته الشيء ، فينظر إلى نظر الله تعالى فيستحي فيحسن الصبر كما قال :

350

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 350
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست