نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 351
فإنك بأعيننا وهذا مقام المتوكلين على الله تعالى ، والصبر أيضا عن إظهار الكرامات وعن الإخبار بكشف القدرة والآيات داخل في حسن الأدب من المعاملات ، وهو من معنى الحياء من الله تعالى ، وهذا طريق المحبين لله تعالى وهو حقيقة الزهد . ومن فضائل الصبر حبس النفس عن حب المدح والحمد والرئاسة . وروينا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم حديثا مقطوعا : الصبر في ثلاث ، الصبر في تزكية النفس ، والصبر عن شكوى المصيبة ، والصبر على الرضا بقضاء الله تعالى على خيره وشرّه . ومن الصبر حبس النفس عن الخمول والتواضع والذلة إيثارا للآخرة على الدنيا وهربا إلى الله تعالى وتحققا بوصف العبودية وترك المنازعة والتشبه بمعاني أوصاف الربوبية تسليما للإلهية واستسلاما للأحدية فلا يخرجك قلة الصبر عن ذلك إلى الطلب بشيء منه فتزل قدم بعد ثبوتها نعوذ باللَّه من ذلك . ومن الصبر صبر على العيال في الكسب لهم والإنفاق عليهم والاحتمال للأذى منهم ، فإن في العيال طرقات إلى الله تعالى أدناها الاهتمام بهم ، وأعلاها الرضا عن الله تعالى والتوكل عليه فيهم . وأوسطها الإنفاق وحبس الإنفاق وحبس النفس عليهم . واعلم أن أكثر معاصي العباد في شيئين : قلة الصبر عما يحبون ، أو قلة الصبر على ما يكرهون . وقد قرن الله تعالى الكراهة بالخير والمحبة بالشر في قوله تعالى : * ( وعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) * [ البقرة : 216 ] وحدّ الصبر وهو أوّله فريضة بمثل أوّل الإخلاص . والصبر أيضا حيلة من لا حيلة له لأن الأمر إذا كان بيد غيرك لم يكن إلا الصبر عليه ولأن الشيء إذا كان لا يأتيك إلا قليلا قليلا وأنت محتاج إليه لم يكن إلا الصبر عليه وإلا انقطع ذلك القليل . وأصل قلة الصبر ضعف اليقين بحسن جزاء من صبرت له لأنه لو قوي يقينه كان الأجل من الوعد عاجلا إذا كان الواعد صادقا فيحسن صبره لقوّة الثقة بالعطاء ولا يصبر العبد إلا بأحد معنيين مشاهدة العوض وهو أدناهما ، وهذا حال المؤمنين ومقام أصحاب اليمين أو النظر إلى المعوّض وهو حال الموقنين ومقام المقربين . فمن شهد العوض عني بالصبر ، ومن نظر إلى المعوّض حمله النظر وقد جعل بعض العارفين الصبر على ثلاثة معان ، وإنه في أهل مقامات ثلاث . فقال : أوّله ترك الشكوى قال وهذه درجة التائبين ، والثانية الرضا بالمقدور وهذه درجة الزاهدين ، والثالثة المحبة لما يصنع به مولاه وهذه درجة الصادقين وقد نوّع القدماء من السلف الصبر على ثلاثة أنواع . وروينا عن الحسن وغيره : الصبر على ثلاثة معان صبر عن المعصية وهو أفضلها ،
351
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 351