نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 320
فيقول : فنيت الأيام فلا يوم ، فيقول : أخرني ساعة فيقول فنيت الساعات فلا ساعة ، قال : فتبلغ الروح الحلقوم فيؤخذ بكظمه عند الغرغرة فيغلق باب التوبة ويحجب عنه وتنقطع الأعمال وتذهب الأوقات وتتصاعد الأنفاس يشهد فيها المعاينة عند كشف الغطاء فيحتد بصره فإذا كان في آخر نفس زهقت نفسه فيدركه ما سبق له من السعادة فتخرج روحه على التوحيد فذلك حسن الخاتمة أو يدركه ما سبق له من الشقوة فتخرج روحه على الشرك فهذا الذي قال الله عزّ وجلّ : * ( ولَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ) * [ النساء : 18 ] . فهذا سوء الخاتمة نعوذ باللَّه منه وقيل : هذا هو المنافق ويقال : المدمن على المعاصي المصرّ عليها . وقد قال الله تعالى : * ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى الله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ من قَرِيبٍ ) * [ النساء : 17 ] . قيل : قبل الموت وقبل ظهور آيات الآخرة وقبل الغرغرة أي تغرغر النفس في الحلقوم لأنه تعالى قد حكم أن التوبة بعد ظهور إعلام الآخرة لا تقبل . ومنه قوله عزّ وجلّ : * ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ من قَبْلُ ) * [ الأنعام : 158 ] يعني من قبل معاينة الآيات أو كسبت في إيمانها خيرا قيل : التوبة هي كسب الإيمان وأصول الخيرات وقيل : الأعمال الصالحة هي مزيد الإيمان وعلامة الإيقان وقد قيل : ثم يتوبون من قريب أي عن قريب عهد بالخطيئة لا يتمادى فيها ولا يتباعد عن التوبة وتوبته من قريب أن يعقب الذنب عملا صالحا ولا يردفه ذنبا آخر وأن يخرج من السيئة إلى الحسنة ولا يدخل في سيئة أخرى وقيل : أول من يسأل الرجعة من هذه الأمة من لم يكن أدى زكاة ماله أو لم يكن حجّ بيت ربه فذلك تأويل قول الله تعالى : * ( فَأَصَّدَّقَ وأَكُنْ من الصَّالِحِينَ ) * [ المنافقون : 10 ] . وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول : هذه الآية من أشد شيء على أهل التوحيد هذا لقوله تعالى في أوّلها : * ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ ولا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله ) * [ المنافقون : 9 ] . وقد قيل : لا يسأل عبد الرجعة عند الموت وله عند الله عزّ وجلّ مثقال ذرة من خير . وروينا بمعناه من كان له في الآخرة مثقال ذرة من خير لو أن له الدنيا بما فيها من أوّلها إلى أخرها لم يحب أن يعود إلى الدنيا . وقال بعض العارفين : إن لله تعالى إلى عبده سرّين يسرهما إليه يوجده ذلك بإلهام يلهمه ، أحدهما إذا ولد وخرج من بطن أمه يقول له : عبدي قد أخرجتك إلى الدنيا طاهرا نظيفا واستودعتك عمرك ائتمنتك عليه فانظر كيف تحفظ الأمانة وانظر كيف تلقاني كما أخرجتك ، وسرّ عند خروج روحه يقول : عبدي ما ذا صنعت في أمانتي عندك هل حفظتها حتى تلقاني على العهد والرعاية فألقاك بالوفاء
320
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 320