نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 145
تراثهم كأنّا مخلدون بعدهم قد نسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة . طوبى لمن شغله عيب نفسه عن عيوب الناس وأنفق من مال اكتسبه من غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة ، طوبى لمن أذل نفسه وحسنت خليقته وصلحت سريرته وعزل عن الناس شرّه ، طوبى لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم يعدها إلى بدعة . وقد روي عنه صلَّى الله عليه وسلَّم حديث جامع لهذه المعاني المبثوثة مختصر في اللفظ والمعنى يقال إنه نصف العلم وهو قوله من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . وما لم يؤمر به العبد فرضا ولم يندب إليه فضلا ولا يحتاج إليه مباحا فهو مما لا يعنيه وفي حديث آخر هو نصف الورع قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الإثم جوار القلوب أي دع ما تشكنّ فيه من قول أو فعل فإن فيه غنيمة أو سلامة إلى شيء أنت على يقين من الفضيلة فيه أو السلامة معه وما حز في قلبك ولم ينشرح له فدعه فإن ذلك إثم وإن قل ودق . وقد روينا عنه صلَّى الله عليه وسلَّم في الوصف المبسوط من أوصاف المؤمنين كوصف الله تعالى أولياءه في الكلام المشروح أنه بينما هو جالس صلَّى الله عليه وسلَّم بين أصحابه إذ سجد فأطال ثم رفع رأسه مادّا يديه فقال : اللَّهم أكرمنا ولا تهنا وزدنا ولا تنقصنا وأعزنا ولا تذلنا . قلنا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت عليّ آيات من أقامها دخل الجنة ثم تلا علينا قد أفلح المؤمنون إلى آخر العشر . وروينا عنه في حديث مجمل أن رجلا سأله فقال : يا رسول الله متى أعلم أني من أهل الجنة . وفي لفظ آخر أني مؤمن حقا . فقال : إذا كنت بهذه الأوصاف . ثم تلا عليه : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم إلى آخر النعوت . وروينا عنه صلَّى الله عليه وسلَّم في الوصف الجامع المختصر كوصف الحكيم الأكبر من صلح له من عباده بالإخلاص في التوحيد والعمل فقال صلَّى الله عليه وسلَّم : لو لم تنزل عليّ إلا هذه الآية كانت تكفي . ثم قرأ آخر سورة الكهف : * ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ) * [ الكهف : 110 ] إلى آخرها . فكان هذا أفصل الخطاب وبلاغا لأولي الألباب فالعمل الصالح الإخلاص في العبادة ونفي الشرك بالخلق هو اليقين بتوحيد الخالق . وقد قال الله وهو أحسن القائلين في وصف أوليائه الخائفين : * ( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ من خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ . والَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ) * [ المؤمنون : 57 - 58 ] إلى قوله : * ( وهُمْ لَها سابِقُونَ ) * [ المؤمنون : 61 ] . فوصفهم بسبع مقامات جامعات بالغات تنتظم بمقامات أهل المحاسبة وتستحوذ على معاني أحوال أهل المراقبة افتتحها بالخشية والإشفاق وختمها بالوجل والإنفاق وجعل موجبها اليقين وهو الذي رجحت به موازين المتقين صيره آخر وصفهم ونهاية نعتهم وهو قوله تعالى : * ( أَنَّهُمْ
145
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 145