responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 465


ذكر ماهية الدنيا وكيفية الزهد فيها وتفاوت الزهاد في مقاماتهم .
ثم إن الدنيا هي نصيب كل عبد من الهوى وما دنا من قلبه من الشهوات . فمن زهد في نصيبه وملكه من هواه المذموم فهذا هو الزهد المفترض ، ومن زهد في نصيبه من المباح وهو فضول الحاجة من كلّ شيء ، فهذا هو الزهد المفضل يرجع ذلك إلى حظوظ جوارحه التي هي أبواب الدنيا منه وطرقها إليه . فالزهد في محرّماتها هو زهد المسلمين به يحسن إسلامهم ، والزهد في شبهاتها هو زهد الورعين به يكمل إيمانهم ، والزهد في حلالها من فضل حاجات النفس هو زهد الزاهدين به يصفو يقينهم . وروينا في حديث عمرو بن ميمون عن الزبير بن العوّام أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال له : يا زبير إجهد نفسك عند نزول الشهوات والشبهات بالورع الصادق عن محارم الله عزّ وجلّ تدخل الجنة بغير حساب .
وكان سهل يقول في فضائل الزهد وأعلى مقاماته : لا يتمّ زهد عبد حتى يزهد في هذه الثلاث ، في الدرهم الذي يريد أن ينفقه في أبواب البرّ يتقرب بذلك إلى الله تعالى ، ويزهد في الثياب التي تستر بدنه في الطاعات . ويزهد في قوته الذي يستعين به على العبادة .
وإنما قال هذا لأن عنده حقيقة الزهد من أفضل المقامات كلا لأنه كان يقول : يعطى الزاهد جميع ثواب العلماء والعباد ، ثم يقسم على المؤمنين ثواب أعماله . وقال : لا يوافي القيامة أحد أفضل من ذي زهد وعلم ورع . وقال أيضا : لا ينال الزهد إلا بالخوف لأن من خاف ترك فجعل الزهد مقاما في الخوف رفعه مزيدا لهم عليه .
وقد روى مسروق عن ابن مسعود : ركعتان من زاهد قلبه خير له وأحبّ إلى الله تعالى من عبادة المتعبدين المجتهدين إلى آخر الدهر أبدا سرمدا ولا نهاية للزهد عند طائفة من العارفين لأنه يقع عن نهاية معارفهم بدقائق أبواب لدنيا وخفايا لوائح الهوى . وقال بعضهم : نهاية الزهد أن تزهد في كل شيء وتتورع عن كلّ شيء للنفس فيه متعة وبه راحة فهذا كما روى عن عيسى عليه السلام أنه وضع تحت رأسه حجرا فكأنه لما ارتفع رأسه عن الأرض استراح بذلك فعارضه إبليس فقال : يا ابن مريم أ لست تزعم أنك قد زهدت في الدنيا قال : نعم . قال : فهذا الذي وطأته تحت رأسك من أي شيء هو ؟ قال : فرمى عيسى عليه السلام بالحجر . وقال : هذا لك مع ما تركت ومثله .
روينا عن يحيى بن زكريا عليهما السلام أنه لبس المسوح حتى نقب جلده فسألته أمه أن ينزع مدرعته الشعر ويلبس مكانها جبة من صوف ففعل فأوحى الله تعالى إليه : يا يحيى آثرت عليّ الدنيا قال : فبكى ونزع الصوف ورد مدرعته الشعر على جسده . وكان

465

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 465
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست