responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 464


وهذه صفات الربوبية يخاف عليه الهلكة فإذا ثبت ذلك كان الفقر أفضل لأنه وصف العبودية . فمن جعله وصفه فقد تحقق بالعبودية وأوصاف العبودية هي أخلاق الإيمان وهي التي أحبّها الله تعالى من المؤمنين مثل الخوف والذلّ والتواضع والفقر مضاف إليها وأوصاف الربوبية ابتلى به قلوب أعدائه الجبارين والمتكبرين مثل العزّ والكبر والبقاء والغنى مضموم إليها .
وكان الحسن رحمه الله يقول : ما رأيت الله تعالى جعل البقاء إلا لأبغض خلقه إليه وهو إبليس . وكذلك كان العلماء يقولون : لا ترغبوا في البقاء في هذه الدنيا فإن شرار الخلق أطولهم بقاء وهم الشياطين ، والغنى إنما يراد للبقاء ويقال : إن الجنيد رحمه الله تعالى باهل بن عطاء في هذه المسألة ودعا عليه لأنه أنكر قوله أشد الإنكار وكان يقول :
الفقير الصابر أفضل من الغنيّ الشاكر وإن تساويا في القيام بحكم حالهما لأن الغنيّ التقيّ يمتّع نفسه وينعم صفته والفقير الصابر قد أدخل على صفته الآلام والمكاره فقد زاد عليه بذلك . وهذا كما قال وكذلك كان أحمد بن حنبل يقول : ما أعدل بالفقر شيئا وكان يفضّل حال الفقر يعظم شأن الفقير الصابر وقال المروزي وذكر بعض الفقراء فجعل يمجّده ويكثر السؤال عنه قال : فقلت له يحتاج إلى علم فقال ويحك اسكت صبره على الفقر ومقاساته للضرّ فيه خير من كثير من العلم ثم قال هؤلاء خير منا بكثير وأقول إن من فضل حال الغنى على الفقر فإنه لم يذق مرارة الفقر ولا حلاوته فهو غرّ بشدته فاقد لحلاوته لأنه لو ذاق مرارته من الضرّ والهمّ لفضله ولو أذيق حلاوته من الزهد والرضا لما فضل عليه .
وقد روينا في الخبر : يقول إبليس لم ينج الغني مني من إحدى ثلاث خصال ، أن أحبب إليه المال فيكتسبه من غير حقّه أو يضعه في غير حقّه أو يمنعه من حقّه . فلو لم يعلم العدو أن الفقر من أفضل الأحوال ما قعد على طرقه وقد قال لأقعدن لهم صراطك المستقيم فأخبر الخبر عنه فقال : الشيطان يعدكم الفقر أي يخوفكم به . فجاء الفقير الصادق فسلك الطريق المستقيم إلى الآخرة واطرح تخويف العدوّ بحول الله وقوّته وقيل :
الأغنياء المغتبطون بغناهم تخويف العدوّ فجاء بنو الفقر فحلق بهم مثل السوء . من ذلك قوله : * ( إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وخافُونِ ) * [ آل عمران : 175 ] فقبلوا تخويف الشيطان وخالفوا ندب الرحمن فكانوا كمن قيل فيهم : * ( ومن النَّاسِ من يَعْبُدُ الله عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ ) * [ الحج : 11 ] . الآية فلو لم يكن من فضل الزاهدين إلا أنهم توسطوا الطريق الذي هرب الناس منه وأمنوا بالتوكَّل على الله والرضا عنه ما خافه أبناء الدنيا لكفاهم .

464

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 464
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست