responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 436


ذكرناه أن حقيقة الدنيا حبّ البقاء لطاعة الهوى وموافقة الهوى في حبّ العرض لأجل البقاء . فدخل أحد هذين في الآخر لأن حبّ البقاء لأجل المتعة ، هو من الهوى الذي هو صفة النفس الأمّارة بالسوء وطاعة الهوى الذي هو عيش النفس إنما يكون لحبّ البقاء ، لأن العبد لو أيقن بالموت ساعته لآثر الحقّ على الهوى ولو أيس من البقاء لما رغب في العرض الأدنى . فصار حبّ البقاء من الهوى وصار إيثار الهوى إنما هو لحبّ البقاء ، فكان ذلك حقيقة الدنيا ، وكان أقصر الناس أملا للبقاء أزهدهم في الدنيا حتى لا يدّخر شيئا لغد لأنه عنده غير باق إلى غد وصار أرغب الناس في الدنيا أطولهم أملا لأن رغبته اشتدت فيها وحرصه كثر عليها الامتداد أمله للحياة فيها إذ ولو قصر أمله لغد لاختار الفقر حينئذ واختيار الفقر هو الزهد .
بيان آخر الزهد أي شيء هو ؟ قال الله سبحانه وتعالى : * ( وشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وكانُوا فِيهِ من الزَّاهِدِينَ ) * [ يوسف : 20 ] فهذه تسمية لهم بالزهد لتحقّقهم بالمعنى نحتاج أن نكشفه ليكون من يتحقق بمعنى ذلك زاهدا قوله تعالى : وشروه باعوه . العرب تقول :
شريت بمعنى بعت لأنهم يقولون : ابتعت بمعنى اشتريت . فلما باعوه وخرج من أيديهم صاروا زاهدين . كذلك العبد إذا باع نفسه وماله من الله تعالى وخرج من هواه إلى سبيل مولاه فهو من الزاهدين . وكذلك قال المولى عزّ وعلا : * ( إِنَّ الله اشْتَرى من الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) * [ التوبة : 111 ] كما قال عزّ من قائل : * ( ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ) * [ النازعات : 40 - 41 ] فإذا كان العوض واحدا وهو الجنة ذكر في المعنيين كان بيع النفس والمال وإخراجهما لله تعالى بمعنى النهي عن الهوى فيهما الذي هو الحياة الدنيا وهو اقتناؤه النفس وحبس النفس عليه أعني المال .
فاستبدال ذلك بضدّه من إخراج الهوى من النفس وإدخال الفقر على المال هو الزهد في الدنيا . وليس ذلك من أمر النفس الأمّارة بالسوء لأن هذا نهاية الخير فصار نهيا لها من الهوى الذي هو اقتناء المال للجمع والمنع ، وهذا هو الدنيا بوصف النفس الأمّارة بالسوء لأن هذا حينئذ سوء كلَّه . فمن كان بهذا الوصف فنفسه غير مرحومة لأمرها بالسوء ، وإذا لم تكن مرحومة لم يكن صاحبها بائعها وإذا لم يبعها لم تكن مشتراة فلا يكون صاحب هذه النفس إلا جامعا للمال مانعا له راغبا في الدنيا محبّا لها وليس هذا من صفة المؤمن والله أعلم .

436

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 436
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست