والأعصاب كالجداول . والمنبع ألين من النهر والنهر ألين من الجداول . ثم انظر - يا حبيبي - كيف خلق ( العين ) وفتحها وأحسن شكلها ولونها وهيئتها ، ورتب لها سبع طبقات وثلاث رطوبات كل منها على شكل خاص ولون مخصوص ، لو تغير شئ منها عما عليه لاختل أمر الأبصار ، وتأمل كيف أظهر في حدقتها التي بمقدار العدسة صورة السماء مع اتساع أكنافها وتباعد أقطارها ، وحماها بالأجفان ليسترها ويحفظها ويصقلها ، وجعلها وقاية لها يدفع بها الأقذاء عنها ، ويمنعها عن وصول الغبار والدخان والشعاع إليها عند انطباقها ، وجعل الجفن الأسفل أصغر من الأعلى ، لأن الأعلى يستر الحدقة تارة ويكشفها أخرى لتحركه ، وأما الأسفل فغير متحرك ، فلو زيد على هذا القدر يستر شيئا من الحدقة دائما ، ويجتمع فيه الفضول ولا تسيل . ثم زين الأجفان ب ( الأهداب ) ليمنع من الحدقة بعض الأشياء التي لا يمنعها الأجفان مع انفتاح العين - كما ترى عند هبوب الرياح التي يأتي بالأقذاء - فيفتح العين أدنى فتح ، وتتصل الأهداب الفوقانية بالسفلانية ، فيحصل شبه شباك ينظر من وراثه ، فتحصل الرؤية مع دفع القذى . ثم انظر كيف شق ( الأذن ) وأودعها ما يحفظ سمعها ويدفع الهوام عنها ، وجعل ثقبها محاطة بصدفة مرتفعة لئلا تتأذى من البرد والحر وغيرهما مما يؤذي ، وليجتمع فيها الهواء المتحرك من الأصوات فينفذ فيها ويحرك الهواء الذي في داخلها ويموجه - كما ترى من دوائر الماء إذا وقع فيه شئ - حتى يصل إلى العصبة المفروشة على الصماخ التي فيها قوة السمع ، فيدرك الصوت . وجعل في منفذها تجويفات واعوجاجات كثيرة لتكثر حركة ما يدب فيها ويطول طريقها ، فيتنبه صاحبها إذا قصدته دابة مؤذية فيدفع شرها وخلق فيها جرما نتنا عفنا لتنفر عنه الدواب المؤذية ولا تدخلها . ثم تأمل كيف زين الوجه ب ( الحاجبين ) وحسنهما بدقة الشعر واستقواس الشكل . وزين وجه الرجل ب ( اللحية ) ووجه المرأة بعدمها ، والمتأمل يعرف إن اللحية زين للرجل وشين للمرأة ، وهذا من عجائب الحكمة . وزين الوجه برفع ( الأنفس ) من وسطه ، وحسن شكله وفتح منخريه ، وأودع فيهما حاسة الشم ليستدل باستنشاق الروائح على مطاعمه وأغذيته ،