نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 355
الخبر ، ثم هذا المجاز أيضا إنما ينقدح في حكم نزل من السماء ونطق به الرسول كما في تحويل القبلة ومسألة المخابرة ، أما سائر المجتهدات التي يلحق فيها المسكوت بالمنطوق قياسا واجتهادا فليس فيها حكم معين أصلا ، إذا الحكم خطاب مسموع أو مدلول عليه بدليل قاطع ، وليس فيها خطاب ونطق ، فلا حكم فيها أصلا إلا ما غلب على ظن المجتهد ، وسنفرد لهذا مسألة ونبين أنه ليس في المسألة أشبه عند الله عز وجل ، ونذكر الآن شبه المخالفين وهي أربع : الشبهة الأولى : قولهم هذا المذهب في نفسه محال ، لأنه يؤدي إلى الجمع بين النقيضين ، وهو أن يكون قليل النبيذ مثلا حلالا حراما ، والنكاح بلا ولي صحيحا باطلا والمسلم إذا قتل كافرا مهدرا ومقادا ، إذ ليس في المسألة حكم معين ، وكل واحد من المجتهدين مصيب ، فإذا الشئ ونقيضه حق وصواب وتبجح بعضهم بهذا الدليل حتى قال : هذا مذهب أوله سفسطة وآخره زندقة ، لأنه في الابتداء يجعل الشئ ونقيضه حقا وبالآخر يرفع الحجر ويخير المجتهد بين الشئ ونقيضه عند تعارض الدليلين ويخير المستفتى لتقليد من شاء وينتقي من المذاهب أطيبها عنده . والجواب : أن هذا كلام فقيه سليم القلب جاهل بالأصول وبحد النقيضين وبحقيقة الحكم ، ظان أن الحل والحرمة وصف للاعيان فيقول : يستحيل أن يكون النبيذ حلالا حراما ، كما يستحيل أن يكون الشئ قديما حادثا ، وليس يدري أن الحكم خطاب لا يتعلق بالأعيان بل بأفعال المكلفين ، ولا يتناقض أن يحل لزيد ما يحرم على عمرو ، كالمنكوحة تحل للزوج وتحرم على الأجنبي ، وكالميتة تحل للمضطر دون المختار ، وكالصلاة تجب على الطاهر وتحرم على الحائض ، وإنما المتناقض أن يجتمع التحليل والتحريم في حالة واحدة لشخص واحد في فعل واحد من وجه واحد ، فإذا تطرق التعدد والانفصال إلى شئ من هذه الجملة انتفى التناقض حتى نقول : الصلاة في الدار المغصوبة حرام قربة في حالة واحدة لشخص واحد ، لكن من وجه دون وجه ، فإذا اختلاف الأحوال ينفي التناقص ، ولا فرق بين أن يكون اختلاف الأحوال بالحيض والطهر والسفر والحضر ، أو بالعلم والجهل ، أو غلبة الظن ، فالصلاة حرام على المحدث إذا علم أنه محدث واجبة عليه إذا جهل كونه محدثا ، ولو قال الشارع : يحل ركوب البحر لمن غلب على ظنه السلامة ، ويحرم على من غلب على ظنه الهلاك ، فغلب على ظن الجبان الهلاك وعلى ظن الجسور السلامة ، حرم على الجبان وحل للجسور لاختلاف حالهما ، وكذلك لو صرح الشارع وقال : من غلب على ظنه أن النبيذ بالخمر أشبه فقد حرمته عليه ، ومن غلب على ظنه أنه بالمباحات أشبه فقد حللته له لم يتناقض ، فصريح مذهبنا إن لو نطق به الشرع لم يكن متناقضا ولا محالا ، ومذهب الخصم لو صرح به الشرع كان محالا وهو أن يقول : كلفتك العثور على ما لا دليل عليه ، أو يقول : كلفتك العثور على ما عليه دليل ، لكن لو تركته مع القدرة لم تأثم ، فيكون الأول محالا من جهة تكليف ما لا يطاق ، ويكون الثاني محالا من جهة تناقض حد الامر إذ حد الامر ما يعصى تاركه . الجواب الثاني : أن نقول : لو سلمنا أن الحل والحرمة وصف للاعيان أيضا لم يتناقض ، إذ يكون من الأوصاف الإضافية ، ولا
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 355