حاجة إليهما إلاّ لربط الاسمين أعني السوط والدار بالضرب ، وبيان أنّ موقع الأول كونه آلة للضرب ، والثاني محلا له من غير أن يزيدا معنى فيها أو يشيّدا مبنى لها ، فليست الحروف إلاّ روابط للأسماء الواقعة في الكلام ، تعيّن مواقعها ، وتضعها في مواضعها . وهذا المسلك في معاني الحروف - على قربه للوجدان - قريب إلى الخبر المأثور المشهور عن واضع علم النحو عليه السلام [1][2] ، وتعريف أئمة الإعراب للحرف ، إذ لو كانت للحروف معان قد وضعت لها شاركت الأسماء في الإنباء عن مسمّياتها ، ولم يكن قوله عليه السلام في حدّ الاسم ، إنه : « ما أنبأ عن المسمّى » حدّا مانعا ، لأنّ الاختلاف في أنواع المنبأ لا يستلزم عدم صدق النبأ . وكذلك قوله عليه السلام : « والحرف ما أوجد معنى في غيره » وقول النحاة : « إنّ الحرف ما دلّ على معنى في غيره » إذ ظاهرهما أنّ الحرف يوجد معنى في الغير بوصف كونه معنى ، أو يدلّ عليه كذلك . هذا إجمال القول في تقريب هذا القول إلى الأفهام ، وعليك بكتب أصحابه إن شئت تفصيل الكلام . وإن كان لا بدّ من مثال لهذا القسم من الوضع ، فليكن وضع أعلام الأجناس ، فإنها ممّا اختلفت فيه الآراء ، وذهبت الأفكار فيها كل مذهب ، حتى ألجأ بعضهم إلى أنّ التعريف فيها لفظي ، وقاسه بالتأنيث اللفظي - وأنت تعلم بالبعد الشاسع ما بين الأمرين - وبعضهم إلى تكلَّف أمور دقيقة ، نعلم أنّ الواضع بعيد عنها بمراحل .
[1] هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه ، والخبر ما رواه أبو الأسود الدؤلي عنه عليه السلام ، وهذا الخبر أشهر من أن يذكر . ( مجد الدين ) . [2] راجع الأشباه والنظائر للسيوطي 1 : 12 . وتهذيب التهذيب 12 : 12 ، ومعجم الأدباء 14 : 49 ، وكنز العمال 10 : 283 / 29456 ، وتأسيس الشيعة : 40