فلفظ ( الابتداء ) لو استعمل في المعنى الآلي ، ولفظة ( من ) في المعنى الاستقلالي لما كان مجازا ، أو استعمالا له في غير ما وضع له وإن كان بغير ما وضع له ، فالمعنى في كليهما في نفسه كلَّي طبيعي يصدق على كثيرين ، ومقيّدا باللحاظ الاستقلالي أو الآلي كلَّي عقلي ، وإن كان بملاحظة أنّ لحاظه وجوده ذهنا كان جزئيّا ذهنيّا ، فإنّ الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد وإن كان بالوجود الذهني » [1] انتهى . وحاصل ما يفهم من هذا الكلام ، ومن سائر ما بيّنه في غير هذا المقام ، هو اتّحاد الوضع والموضوع له بين الحرف وبين متعلَّقه ، ولكن الواضع جعل على متابعيه أن لا يستعمل لفظ ( الابتداء ) مثلا إلاّ على النحو الاستقلالي ولفظ ( من ) إلاّ على النحو الآلي التبعي ، من غير أن يكون لكلّ من اللحاظين دخل في الموضوع له ، بل صرّح في غير هذا المقام بامتناع أخذ كلّ من اللحاظين في المعنى ، وجعله من خصوصيّاته ، وقد نقل ذلك عن التفتازاني أيضا . ويردّه أنّ اللازم من متابعة الواضع إنما هو استعمال ما وضع له مع مراعاة ما اعتبره من القيود فيه ، وأما متابعته في سائر أوامره فليس بلازم ولو قلنا بأنه الشارع ، إذ الكلام في متابعته من حيث إنه واضع لا شارع إلاّ أن يكون وجوب هذه المتابعة من قبيل وجوب الصلاة والصيام وحرمة مخالفته كحرمة شرب المدام [2] ، والمتابعة بهذا المعنى خارجة من محل الكلام . ولازم ما ذكره ترادف لفظي ( الابتداء ) و ( من ) وهذا مما يقطع بفساده كلّ متضلَّع في العربيّة ، ومطَّلع على مبادئ العلوم الأدبيّة . وقوله : « فلفظ ( الابتداء ) لو استعمل في المعنى الآلي ، ولفظة ( من ) في المعنى الاستقلالي لما كان مجازا » [3] إلى آخره .