وهي : أنّ من المفاهيم ما لا يوجد في الخارج إلاّ تبعا للغير ، فتلك المفاهيم كالابتداء والانتهاء - مثلا - موجودة بغيرها ، ومأخوذة صفة من صفاتها ، ولكنها توجد في الذهن على قسمين : أولهما : أن توجد على نحو وجودها في الخارج ، أعني قائمة بغيرها مندكّة فيها . وثانيهما : أن توجد مستقلَّة بنفسها ، بمعنى أن يلاحظها المتصوّر في حدّ نفسها ، ويجرّدها عن الخصوصيات التي لا توجد في الخارج بدونها ، ولا شك في إمكان وجودها في الذهن بهذا النحو ، أعني استقلالا ، وإن احتاج في تصوّرها إلى تصوّر ما يقوم بها ، ومجرّد الاحتياج إلى الغير لا يوجب أن يكون ذلك الغير جزءا منها ، ودخيلا في وضعها ، وما أشبهها من هذه الجهة بالأعراض فإنها تحتاج إلى الجوهر في وجودها الخارجي من غير أن يكون الجوهر جزءا من معناه ، وبالربح الَّذي لا بدّ في تصوّره من تصوّر التجارة ، إلى غير ذلك من أشباهها وهي كثيرة . ثم نقول : إنّ الحروف موضوعة لتلك المعاني الموجودة على نحو الوجود الخارجي ، ومعانيها الاسميّة موضوعة لتلك أيضا ولكن على النحو الثاني وهي في اللحاظ الأول كلَّيات كما في اللحاظ الثاني ، إذ اختلاف اللحاظ لا يوجب الاختلاف في الحقيقة ، واحتياجها في الذهن إلى مفاهيم ترتبط بها لا يوجب جزئيّتها ، كما لا يوجبها احتياجها في الخارج إلى محالّ توجد بها . ثالثها : ما ذهب إليه الشيخ الأستاذ [1] ، وبيّنه في مواضع من كتبه ، وهو : « أنّ الحرف وضع ليستعمل وأريد منه معناه حالة لغيره وبما هو في الغير ، ووضع غيره ليستعمل وأريد منه معناه بما هو هو . وعليه يكون كل من الاستقلال بالمفهوميّة وعدم الاستقلال بها إنما اعتبر في جانب الاستعمال ، لا في المستعمل فيه ليكون بينهما تفاوت بحسب المعنى ،